للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

و «غشاوة» مبتدأ، وجاز الابتداء بها لأن النكرة متى كان خَبَرُها ظرفاً، أو حرف جر تاماً، وقدم عليها جاز الابتداء بها، [ويكون تقديم الخبر حينئذٍ واجباً؛ لتصحيحه الابتداء بالنكرة] ، والآية من هذا القبيل، وهذا بخلاف قوله تعالى: {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} [الأنعام: ٢] ؛ ويبتدأ بما بعده، وهو «وعلى أبصارهم غشَاوَةٌ» ف «على أبصارهم» خبر مقدم، و «غِشَاوة» مبتدأ مؤخر.

وعلى الاحتمال الثاني يوقف على «قلوبهم» ، وإنما كرر حرف الجر؛ ليفيد التأكيد ويشعر بذلك بِتَغَايُرِ الختمين، وهو: أن ختم القلوب غير ختم الأسماع.

وقد فرق النحويون بيم «مررت بزيد وعمرو» وبين «مررت بزيد وبعمرو» فقالوا في الأول هو ممرور واحد، وفي الثاني هما ممروران، وهو يؤيد ما قُلْتُهُ، إلا أن التعليل بالتأكيد يشمل الإعرابين، أعني: جعل «وعلى سمعهم» معطوفاً على قوله: «على قلوبهم» ، وجعله خبراً مقدماً.

وأما التعليل بتغاير الختمين فلا يجيء إلا على الاحتمال الأول، وقد يُقَال على الاحتمال الثاني أن تكرير الحرف يُشعر بتغاير الغِشَاوتين، وهو أنَّ الغشاوة على السَّمع غير الغِشَاوة على البَصَرِ، كما تقدم ذلك في الختمين.

وقرىء: غِشَاوة بالكسر والنصب، وبالفتح والنصب وبالضَّم والرفع، وبالكسر والرفع - و «غشوة» بالفتح والرفع والنصب - و «غشاوة» بالعين المهملة، والرفع من العَشَا. فأما النصب ففيه ثلاثة أوجه:

الأول: على إضمار فعل لائق، أي: وجعل على أبصارهم غِشَاوة، وقد صرح بهذا العامل في قوله تعالى: {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: ٢٣] .

والثاني: الانتصاب على إسقاط حرف الجر، ويكون «على أَبْصَارهم» معطوفاً على ما قبله، والتقدير: ختم الله على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم بغشاوة، ثم حذف الجر، فانتصب ما بعده؛ كقوله: [الوافر]

١٥٩ - تَمُرُّونَ الدِّيَارَ فَلَمْ تُعُوجُوا ... كَلَامُكُم عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>