فَنَادَتْهُ» بتاء التأنيث - باعتبار الجمع المُكَسَّر، فيجوز في الفعل المسند إليه التذكير باعتبار الجمع، والتأنيث باعتبار الجماعة، ولتأنيث لفظ «الملائكة» مع أن المذكور إذا تقدَّم فعلُهم - وهم جماعة - كان التأنيث فيه أحسن؛ كقوله تعالى: {قَالَتِ الأعراب} [الحجرات: ١٤] . ومثل هذا {إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملاائكة} [الأنفال: ٥٠] تُقْرأ بالتاء والياء، وكذا قوله: {تَعْرُجُ الملائكة} [المعارج: ٤] .
قال الزجاج: يلحقها التأنيث للفظ الجماعة، ويجوز أن يُعَبَّر عنها بلفظ التذكير؛ لأنه - تعالى جمع الملائكة، وهكذا قوله: {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: ٣٠] .
وإنما حَسُنَ الحذفُ - هنا - للفصل بين الفعل وفاعله.
وقد تجرأ بعضُهم على قراءة العامة، فقال: «أكره التأنيثَ؛ لما فيه من موافقة دَعْوَى الجاهلية؛ لأن الجاهلية زعمت أن الملائكة إناث» .
روى إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود يُذَكِّر الملائكةَ في كُلِّ القرآنِ.
قال أبو عُبَيْد: «نراه اختار ذلك؛ خلافاً على المشركين؛ لأنهم قالوا: الملائكة بناتُ اللهِ» .
وروى الشعبيُّ أن ابن مسعود قال: «إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً» .
وتجرأ أبو البقاء على قراءة الأخوين، فقال: وكره قوم قراءة التأنيث لموافقة الجاهلية، ولذلك قرأ «فناداه» بغير تاء - والقراءة غير جيِّدة؛ لأن الملائكة جمع، وما اعتلوا ليس بشيءٍ؛ لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله: {وَإِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم} [آل عمران: ٤٢] .
وهذان القولان - الصادران من أبي البقاء وغيره - ليسا بجيِّدَيْن؛ لأنهما قراءتان متواترتان، فلا ينبغي أن ترد إحداهما ألبتة.
والأخوان على أصلهما من غمالة «فَنَادَاهُ» . والرسم يحتمل القراءتين معاً - أعني: التذكير والتأنيث والجمهور على أن الملائكة المراد بهم واحد - وهو جبريل.
قال الزَّجَّاج: أتاه النداء من هذا الجنس الذين هم الملائكة، كقولك: فلان يركب السُّفُنَ - أي: هذا الجنس كقوله تعالى: {يُنَزِّلُ الملاائكة} [النحل: ٢] يعني جبريل «بِالرُّوحِ» يعني الوحي. ومثله قوله: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس} [آل عمران: ١٧٣] وهو نعيم بن مسعود، وقوله: {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣] يعني أبا سفيان. ولما كان جبريل - عليه السلام - رئيسَ الملائكة أخبر عنه إخبار الجماعة؛ تعظيماً له.
قيل: الرئيس لا بدَّ له من أتباع، فلذلك أخبر عنه وعنهم، وإن كان النداء قد صدر منه - قاله الفضل بن سلمة - ويؤيد كون المنادي جبريل وحده قراءةُ عبد الله - وكذا في مصحفه - فناداه جبريل.