وَرَسُولاً «و» مُصَدِّقاً «من المنصوبات المتقدمة، وقوله: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ} و {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يأبى حَمله عليها؟
قلت: هو من المضايق، وفيه وجهان:
أحدهما: أن يُضمر له» وأرسَلْت «- على إرادة القول - تقديره: ويعلمه الكتاب والحكمة، ويقول: أرسلت رسولاً بأني قد جئتكم، ومصدقاً لما بين يديَّ.
الثاني: أن الرسول والمصدِّق فيهما معنى النطق، فكأنه قيل: وناطقاً بأني قد جئتكم، ومصدقاً لما بين يدي» . اه.
إنما احتاج إلى إضمار ذلك كُلِّه تصحيحاً للمعنى واللفظ، وذلك أن ما قبله من المنصوبات، لا يصح عطفه عليه في الظاهر؛ لأن الضمائر المتقدمة غُيَّب، والضميرانِ المصاحبانِ لهذين المنصوبين في حُكْم المتكلم؛ فاحتاج إلى ذلك التقدير؛ ليناسب الضمائر.
وقال أبو حيان: «وهذا الوجه ضعيف؛ إذْ فيه إضمارُ الْقَوْلِ ومعموله - الذي هو أرسلت - والاستغناء عنهما باسمِ منصوبٍ على الحال المؤكِّدة، إذْ يُفْهَم من قوله: وأرسلت، أنه رسول، فهي - على هذا - حال مؤكِّدة» .
واختار أبو حيّان الوجه الثالث، قال: «إذْ ليس فيه إلا إضمار فعل يدل عليه المعنى - ويكون قوله: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ} معمولاً ل» رَسُولاً «أي: ناطقاً بأني قد جئتكم، على قراءة الجمهور» .
الثالث: أن يكون حالاً من مفعول «وَيًعَلِّمُهُ» وذلك على زيادة الواو - كأنه قيل: ويعلمه الكتاب، حال كونه رسولاً. قاله الأخفشُ، وهذا على أصل مذهبه من تجويزه زيادة الواو، وهو مذهب مَرْجُوحٌ.
وعلى الثاني وهو كون «الرسول» مصدراً كالرسالة في نصبه وجهان:
أحدهما: أنه مفعول به - عطفاً على المفعول الثاني لِ «يُعَلِّمُهُ» - أي: ويعلمه الكتاب والرسالة معاً، أي: يعلمه الرسالة أيضاً.
الثاني: أنه مصدر في موضع الحال، وفيه التأويلات المشهورة في: رَجُلٌ عَدْل.
وقرأ اليزيديُّ «وَرَسُولٍ» بالجر - وخرجها الزمخشريُّ على أنها منسوقة على قوله: «بِكَلِمَةٍ» أي: يبشرك بكلمة وبرسول.
وفيه بُعْدٌ لكثرة الفصل بين المتعاطفين، ولكن لا يظهر لهذه القراءة الشاذة غير هذا التخريج.