١٤٧٥ - وَلَا يَئِطُّ بِأيْدِي الْخَالِقِينَ وَلَا ... أيْدِي الْخَوَالِقِ إلَاّ جَيِّدُ الأدَمِ
وسادسها: أنه يقال: خلق الفعل إذا قدرها وسواها بالمقياس، والخَلَاق: المقدار من الخير، وفلان خليق بكذا، أي: له هذا المقدار من الاستحقاق، والصخرة الخَلْقاء: الملساء؛ لأن الملاسة استواء وفي الخشونة اختلاف، فثبت أن الخلق عبارةٌ عن التقدير والتسوية.
وقال أبو عبد الله البصريُّ: لا يجوز إطلاق «الخالق» على الله - تعالى - في الحقيقة؛ لأن التقدير والتسوية عبارة عن الظن والتخيُّل، وذلك على الله تعالى مُحَالٌ.
وأجيب بقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله} [فاطر: ٣] والتقدير والتسوية عبارة عن العلم والظن، لكن الظن كان محالاً في حق الله تعالى فالْعِلْمُ ثابتٌ.
إذا عرفت هذا فقوله: {أني أَخْلُقُ} معناه: أقَدِّر وأصَوِّر.
قوله: {لَكُمْ} متعلق ب «أخلُقُ» واللام للعلة، أي: لأجلكم - بمعنى لتحصيل إيمانكم، ودَفْع تكذيبكم إياي - وإلا فالذوات لا تكون عِلَلاً، بل أحداثها. و {مِّنَ الطين} متعلق به - أيضاً - و «مِنْ» لابتداء الغاية، وقول من قال: إنها للبيان تساهل؛ إذ لم يَسْبِق مُبْهَم تبينه.
قوله: {كَهَيْئَةِ} في موضع هذه الكاف ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنها نَعْت لمفعولٍ محذوفٍ، تقديره: أني أخلق لكم هيئة مثلَ هيئة الطير. والهيئة إما أن تكونَ في الأصل مصدراً، ثم أطلِقَت على المفعول - أي: المُهَيَّأ - كالخلق بمعنى: المخلوق، وإما أن تكون اسماً لحال الشيء وليست مصدراً، والمصدر: التَّهْيِيء - والتَّهَيُّؤ - والتَّهْيِئَة.
ويقال: هاء الشيء يَهِيءُ هَيْئاً وهَيْئَةً - إذا ترتب واستقر على حال مخصوص - ويتعدى بالتضعيف، قال تعالى: {وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} [الكهف: ١٦] ، والطين معروف، يقال: طَانَهُ الله على كذا وطَلَمَهُ - بإبدال النون ميماً - أي: جبله عليه، والنفخ مَعْرُوفٌ.
الثاني: أن الكاف مفعول به؛ لأنها اسم كسائر الأسماء - وهذا رأي الأخْفَشِ، حيث يجعل الكاف اسماً حيث وقعت وغيره من النحاة لا يقول بذلك إلا إذا اضطر إليه - كوقوعها مجرورة بحرف جر، أو إضافة، أو وقوعها فاعلةً أو مبتدأ. وقد تقدم ذلك.
الثالث: أنها نعت لمصدر محذوف، قاله الواحديُّ نقلاً عن أبي عليٍّ بعد كلامٍ طويلٍ: «ويكون الكاف موضع نصب على أنه صفة للمصدر المراد، تقديره: أنِّي أخلق لكم من الطّينِ خلقاً مثل هيئة الطَّيْرِ» .