وكان قياس هذه القراءة أن يُقال فيها: الحوارون؛ وذلك أنه يستثقل الضمة على الياء المكسور ما قبلها، فتنتقل ضمة الياءِ إلى ما قبلها، فتَسْكُن الياء، فيلتقي ساكنان، فيحذفوا الياء؛ لالتقاء الساكنين، وهذا نحو جا ءالقاضون، الأصل: القاضيون، فَفَعَلُوا به ما ذُكِر. قالوا: وإنما أقِرَّت ضمةُ الياء عليها؛ تنبيهاً على أن التشديد مُرادٌ؛ لأن التشديد يتحمل الضمة، كما ذهب الأخفشُ في «يَسْتَهْزِيُونَ» إذ أبدل الهمزةَ ياءً مضمومةً، وإنما بقيت الضمة؛ تنبيهاً على الهمزة.
فصل في المراد ب «الحواريين»
اختلفوا في الحواريين، فقال مجاهد والسُّدِّيُّ: كانوا صيادين يصطادون السمك وسُمُّوا حواريين؛ لبياض ثيابهم، وذلك أن عيسى لما خرج سائحاً مَرَّ بجماعة يصطادون السمك وكان فيهم شمعون ويعقوب ويُوحَنَّا بني رودي وهم منه جملة الحواريين الاثني عشر، فقال لهم عيسى: أنتم تصيدون السمك، فإن اتبعتموني صرتم بحيث تصيدون الناسَ بحياة الأبد، قالوا: ومن أنت؟ قال: عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله فطلبوا منه المعجز، وكان شمعون قد رَمَى شبكته تلك الليلة، فما اصطاد شيئاً، فأمره عيسى بإلقاء شبكته في الماء مرة أخرى فاجتمع في تلك الشبكة ما كادت تتمزق، واستعانوا بأهل سفينة أخرى وملئوا سفينتين، فعند ذلك آمنوا بعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقال الحسنُ: كانوا قصَّارين، سُمُّوا بذلك لأنهم كانوا يحوِّرون الثيابَ، أي يبيِّضونها.
وقيل: كانوا ملَاّحين وكانوا اثني عشر رجلاً، اتَّبعوا عيسى، وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روحَ الله جعلنا، فيضرب بيده الأرضَ، فيخرج لكل واحد رغيفانِ، وإذا عطشوا قالوا: عطشنا، فيضرب بيده الأرضَ فيخرج الماء، فيشربون، فقالوا: من أفضل منا؛ إذا شئنا أُطعِمْنَا، وإذا شئنا استقينا، وقد آمنا بك؟ فقال: أفضل منكم مَنْ يعمل بيده، ويأكل من كَسْبه، قال: فصاروا يَغْسِلُون الثيابَ بالكراء، فسُمُّوا حَوَاريِّين.
وقيل: كانوا ملوكاً، وذلك أن واحداً من الملوك صنع طعاماً، وجمع الناس عليه، وكان عيسى عليه السلامُ على قصعة منها، فكانت القصعة لا تنقص، فذكروا هذه الواقعة لذلك الملك، فقال: أتعرفونه؟ قالوا: نعم فذهبوا، فجاءوا بعيسى، فقال: من أنت؟ قال عيسى ابن مريم، قال: وأنا أترك ملكي وأتبعك، فتبعه ذلك الملك مع أقاربه، فأولئك هم الحواريون.
وقيل: إن أمه سلَّمته إلى صَبَّاغ، فكان إذا أراد أن يعلِّمَه شيئاً كان هو أعلم به منه،