امتنع حمل الاسم بعدها على إضمار فعل، ومن جوَّز ذلك قال: بأنه يُضْمَر الفعلُ متأخِّراً عن الاسم، ولا يضمر قبله. قال: لئلا يَلِيَ «أمَّا» فعل - وهي لا يليها الأفعال ألبتة - فَتُقَدِّر - في قولك: أما زيداً فضربتُهُ - أما زيداً ضربتُ فضَرَبْتُه، وكذا هنا يُقَدَّر: فأما الذين كفروا أعَذِّبُ فأعَذِّبُهُم؛ قدر العامل بعد الصلة، ولا تقدره قبل الموصول؛ لما ذكرناه. وهذا ينبغي أن لا يجوز؛ لعدم الحاجة إليه مع ارتكابِ وجهٍ ضعيفٍ جدًّا في أفصح الكلامِ.
عذاب الكفار - في الدنيا - بالقتل والسبي والجزية والذلة، وفي الآخرة بالنار أيك في وقت الآخرة بالنار {وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} .
فإن قيل: وصف العقاب بالشدة يقتضي أن يكون عقاب الكافر في الدنيا أشد، ولسنا نجد الأمر كذلك فإن الأمر تارة يكون على الكفار، وأخرى على المسلمين، ولا نجد بين الناس تفاوتاً.
فالجوابُ: أن التفاوُتَ في الدنيا موجود؛ لأن الآية في بيان أمر اليهود الذين كذبوا بعيسى - عليه السلام -، وَنَرى الذِّلَّةَ والمسكنةَ لازمةً لهم.
فإن قيل: أليس قد يمتنع على الأئمة وعلى المؤمنين قتل الكفار؛ بسبب العهد وعقد الذِّمَّة؟
فالجواب: أن المانع من القتل هو العهد، ولذلك إذا زالَ العهدُ حَلَّ قَتْلُه.
قوله:{وَأَمَّا الذين آمَنُوا} الكلام فيه كالكلام في الموصول قبله.
وقد قرأ حفص عن عاصم والحسن «فَيُوَفِّيهِمْ» - بياء الغيبة - والباقون بالنون. فقراءة حفص على الالتفاتِ من التكلُّم إلى الغيبة؛ تفنُّناً في الفصاحةِ، وقراءة الباقين جاريةٌ على ما تقدم من إتِّسَاق النظم، ولكن جاء هناك بالمتكلم وحده، وهنا بالمتكلم وحده المعظم نفسه؛ اعتناءً بالمؤمنين، ورفْعاً من شأنهم؛ لمَّا كانوا مُعَظَّمِينَ عندَه.
فصل
دَلّتْ هذه الآية على أن العملَ الصالحَ خارجٌ عن مُسَمَّى الإيمان وقد تقدم ذلك، واستدلوا بالآية على أن العملَ علةٌ للجزاء؛ لقوله:{فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} فشبههم - في عبادتهم لأجل طلب الثّوابِ بالمستأجر.