للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بينهما فرقٌ [كَبِيرٌ]- بعد أن يَجْتَمِعَا في وصف واحدٍ «.

وعن بعض العلماء أنه أسِر بالروم، فقال لهم: لِمَ تعبدون عيسى؟ قالوا: لأنه لا أبَ لَه.

قال: فآدم أوْلَى؛ لأنه لا أبوين له، قالوا: فإنه كان يُحْيي الموتَى؟ قال: فحَزقيل أوْلَى؛ لأن عيسى أحْيَى أربعةَ نفر، وحزقيل أحْيَى ثَمَانِيةَ آلاف، قالوا: فإنه كان يُبْرِئُ الأكمه والأبرص.

قال: فجَرْجيس أوْلَى؛ لأنه طُبخَ، وأحرق، وخَرَجَ سَالِماً.

قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} اختلفوا في المقول له: كُنْ، فالأكثرون على أنه آدم - عليه السلام - وعلى هذا يقع الإشكال في لفظ الآية؛ لأنه إنما يقول له: كن قبل أن يخلقَه لا بعده، وهاهنا يقول: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن} .

والجوابُ: أن الله - تعالى - أخبرنا - أولاً - أنه خلق آدم من غير ذَكَرٍ، ولا أنثى، ثم ابتدأ أمراً آخر - يُريد أن يُخْبرَنا به - فقالَ: إني مُخبِرُكم - أيضاً بعد خبري الأولِ - أني قلتُ له: كُن فكان، فجاء «ثُمَّ» لمعنى الخبر الذي تقدم، والخبر الذي تأخر في الذكر؛ لأنَّ الخلقَ تقدم على قوله: «كُنْ» . وهذا كما تقولُ: أخْبِرُكَ أنِّي أعطيكَ اليومَ ألفاً ثم أخبرك أني أعطيتك أمسَ ألفاً، ف «أمسِ» متقدم على «اليوم» وإنما جاء ب «ثُمَّ» ؛ لأنَّ خبرَ «اليومَ» متقدِّمٌ خبر «أمس» ؛ حيث جاء خبرُ «أمس» بعد مُضِيِّ خَبَر «اليوم» ومثله قوله: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: ١]- وقد خَلَقَنا بعد خلق زَوْجِها، ولكن هذا على الخبر دون الخلق؛ لأنَّ التأويلَ: أخبركُمْ أني قد خلقتُكُم من نفسٍ واحدةٍ -؛ لأن حواءَ قد خُلِقَتْ من ضِلعِهِ ثم أخبركم أني خَلَقْتُ زَوْجَهَا منها.

ومثل هذا قول الشاعر: [الخفيف]

١٤٩٠ - إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أبُوهُ ... ثُمَّ قَدْ سَادَ بَعْدَ ذَلِكَ جَدُّهُ

ومعلوم أن الأبَ متقدِّمٌ له، والجدُّ متقدمٌ للأبِ، فالترتيب يعود إلى الخبرِ لا إلى الوجودِ، كقولهِ: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ} [البلد: ١٧] فكذا قوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} أي: صيَّره خلْقاً سَويًّا، ثم إني أخبرُكم أني إنما خلقتُه بأن قُلتُ لَهُ: كُنْ. فالتراخي في الخبرِ، لا في هذا المخبرِ عن ذلك المخبر.

ويجوز أن يكون المرادُ خلقَهُ قالباً من ترابٍ، ثم قال له: كُنْ بَشَراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>