قوله: {أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ الله} فيه ستة أوجهٍ:
أحدها: أنه بدل من «كَلِمةٍ» - بدل كل من كل.
الثاني: بدل من «سَوَاء» جوزه أبو البقاء؛ وليس بواضح، لأن المقصود إنما هو الموصوف لا صفته فنسبة البدلية إلى الموصوف أوْلَى، وعلى الوجهين ف «أنْ» وما في حَيِّزها في محل جَرٍّ.
الثالث: أنه في محل رَفْع؛ خبراً لمبتدأ مُضْمَرٍ، والجملة استئناف، جواب لسؤال مقدَّر، كأنه لما قيل: {تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ} قال قائل: ما هي؟ فقيل: هي أن لا نعبد إلا الله، وعلى هذا الأوجه الثلاثة ف «بَيْنَ» منصوب ب «سَوَاءٍ» ظرفاً له، أي: يقع الاستواء في هذه الجهة.
وقد صرَّح بذلك [الشاعر] ، حيث قال: [الوافر]
١٤٩٩ - أرُونِي خُطَّةً لا عَيبَ فيهَا ... يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ
والوقف التام - حينئذ - عند قوله: {مِّن دُونِ الله} ؛ لارتباط الكلام معنًى وإعراباً.
الرابع: أن يكون «أنْ» وما في حَيِّزها في محل رفع بالابتداء، والخبرُ: الظرفُ قبله.
الخامس: جوَّز ابو البقاء أن يكون فاعلاً بالظرف قبله، وهذا إنما يتأتَّى على رأي الأخفش؛ إذا لم يعتمد الظرفُ.
وحينئذ يكون الوقف على «سَوَاءٍ» ثم يبتدأ بقوله: {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ الله} وهذا فيه بُعْدٌ من حيثُ المعنى، ثم إنهم جعلوا هذه الجملة صفة ل «كَلِمةٍ» ، وهذا غلط؛ لعدم رابطة بين الصفة والموصوف، وتقدير العائد ليس بالسهل.
وعلى هذا فَقوْل أبي البقاء: وقيل: تم الكلامُ على «سَوَاءٍ» ، ثم استأنف، فقال: {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ} ، أي: بيننا وبينكم التوحيد، فعلى هذا يكون {أَلَاّ نَعْبُدَ} مبتدأ، والظرف خبره، والجملة صفة ل «الكلمة» ، غير واضح؛ لأنه - من حيث جعلها صفة - كيف يحسن أن يقول: تم الكلام على «سَوَاءٍ» ثم استأنف؟ بل كان الصواب - على هذا الإعراب - أن تكون الجملة استئنافية - كما تقدم.
السادس: أن يكون: {أَلَاّ نَعْبُدَ} مرفوعاً بالفاعلية ب «سَوَاءٍ» ، وإلى هذا ذَهَب الرُّمَّانِيُّ؛ فإن التقدير - عنده - إلى كلمة مستوٍ فيها بيننا وبينكم عدم عبادةُ غيرِ الله تعالى:
قال أبو حيّان: «إلا أن فيه إضمارَ الرابطِ - وهو فيها - وهو ضعيف» .
فصل
لما أوْرَد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على نصارى نجران أنواعَ الدلائل، دعاهم إلى الْمُبَاهَلَةِ فخافوا، وما