للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن الواجب في العقول ترك الظلم على النفس وعلى الغير، وذلك لا يحصل إلا بإعطاء النصف؛ لكي يُسَوِّي بين نفسه وبين الغير. ثم إنه تعالى ذكر ثلاثةَ أشياءَ:

الأول: أن لا نعبدَ إلا اللهَ. الثاني: أن لا نُشْركَ به به شيْئاً.

الثالث: أن لا يتخذَ بعضُنا أرْباباً مِن دونِ اللهِ.

ودون - هذه - بمعنى: «غير» .

إنما ذكر هذه الثلاثة؛ لأن النصارَى جمعوا بينها، فعبدوا غيرَ الله - وهو المسيح - وأشركوا بالله غيره؛ لأنهم يقولون: إنه ثلاثة: أب وابن وروح القدس، واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله؛ لأنهم كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم، وكانو يسجدون لهم، ويطيعونهم في المعاصي، قال تعالى: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} [التوبة: ٣١] .

قال أبو مُسْلِم: ومذهبهم أن مَن صار كاملاً في الرياضة والمجاهدة ظهر فيه أثَرُ اللاهوت، فيقدر على إحياء الموتَى، وإبراء الأكْمَهِ والأبْرَصِ، فإنهم - وإن لم يُطْلقوا عليه لفظ «الرَّبِّ» - أثبتوا في حقه معنى الربوبية، وهذه الأقوال الثلاثة باطلة.

أما الأول: فإن قبل المسيح ما كان المعبود إلا الله، فوجب أن يَبْقَى الأمر بعد ظهور المسيح على ما كان.

الثاني: والقول بالشرك باطل باتفاق الكُلِّ.

والثالث: - أيضاً باطل -؛ لأنه إذا كان الخالق والرازق والمُنْعِم - بجميع النعم - هو الله وجب أن لا يرجع في التحليل، والتحريم، والانقياد، والطاعة إلا إليه، - دون الأحْبار والرُّهبان.

وقوله: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} قال القرطبي: معنى قوله: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} أي لا نتبعه في تحليل شيء أو تحريمه، إلا فيما حلَّلَه الله - تعالى - وهو نظير قوله تعالى: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} [التوبة: ٣١] أي: أنزلوهم منزلةَ ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لِما لم يحرمْه الله ولم يحللْه، وهذا يدل على بُطْلان القول بالاستحسان المجردِ الذي لا يستند إلى دليلٍ شرعيٍّ.

قال إلكيا الطبريُّ: «مثل [استحسانات] أبي حنيفة في التقديرات التي قدرها دون [مستندات بينة] » .

قال عكرمةُ: «هو سجودُ بعضهم لبعض» ، أي: لا نسجد لغير الله، وكان السجود إلى زمان نبينا عليه السلامُ - ثم نُهِيَ عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>