فإن كان منكراً بلسانه عارفاً بقلبه، فهذا الإنكار اضطرارياً كان مسلماً؛ لقوله تعالى:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان}[النحل: ١٠٦] ، وإن كان اختيارياً كان كافراً معانداً.
وإن كان عارفاً بقلبه، وكان ساكتاً، فهذا السكوت إن كان اضطرارياً كما إذا خاف ذكره باللسان، فهو مسلم حقّاً، أو كما إذا عرف الله بالدليل، ثم لما تمّم بالنظر مات فهو مؤمن قطعاً؛ لأنه أتى بما كلف به، ولم يجد زَمَانَ الإقرار، فكان معذوراً فيه، وإن كان السّكوت اختيارياً، فهذا محل البحث، فميل الغَزَالي إلى أنه يكون مؤمناً لقوله عليه الصَّلاة والسلام:» يَخْرُجُ من النَّار من كَانَ في قَلْبِهِ ذرّة من الإيمان «وهذا قلبه مملوء من نور الإيمان، فكيف لا يخرج من النار؟
النوع الثاني: أن يحصل في القلبِ الاعتقاد التقليدي، فإما أن يوجد معه الإقرار باللسان، أو الإنكار أو السكوت.
فإن وجد مع التّقليد الإقرار باللسان، فإن كان اختياراً فهي المسألة المشهورة من أن المقلد هل هو مؤمن أم لا؟
وإن كان اضطرارياً فهذا يفرع على الصورة الأولى، فإن حكمنا في الصورة الأولى بالكفر، فهاهنا لا كلام، وإن حكمنا هُنَاك بالإيمان وجب أن بحكم هاهنا بالنِّفَاق؟ لأن في هذه الصورة لو كان القلب عارفاً لكان هذا الشخص منافقاً، فمات يكون منافقاً عند التقليد.
فإن حصل الاعتقاد والتقليد مع الإنكار اللساني، فهذا الإنكار إن كان اختيارياً فلا شَكّ في الكفر، وإن كان اضطرارياً، وحكمنا بإيمان المُقَلّد وجب أن نحكم بالإيمان في هذه الصُّورة.
فإن حصل الاعتِقَادُ التقليدي مع السُّكوت اضطرارياً كان أو اختيارياً فحكمه حكم القسم مع النَّوْعِ الأوّل إذا حكمنا بإيمان المُقَلّد.
النوع الثَّالث: اعتقاد الجَاهِل، فإما أن يوجد معه الإقرار اللِّسَاني، فذلك الإقرار إن كان اضطرارياً فهو المُنَافق، وإن كان اختيارياً مثل أن يعتقد بناء على شبهة أن العالم قديم، ثم بالاختيار أقرّ باللسان أن العالم مُحْدّث، وهذا غير مستبعدٍ، فهذا أيضاً من النفاق.