{وَلَا تؤمنوا} من كلام الله تعالى - كما تقدم - ثَبَّت به قلوبَ المؤمنينَ؛ لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهود، وتزويرهم في دينهم، ومعناه: لا تُصدِّقوا يا مَعْشَرَ الْمُؤمنين إلا مَنْ تَبعَ دِينَكُمْ، ولا تصدقوا أن يُؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم من الدين والفَضْلِ، ولا تصدِّقُوا أن يُحاجُّوكم في دينكم عند ربكم، أو يقدروا على ذلك؛ فإنَّ الهدى هدى اللهِ، والفضل بيد اللهِ يؤتيه من يشاء، والله واسعٌ عليمٌ، فتكون الآية كلُّها خطاب الله - تعالى - مع المؤمنين.
و «الفضل» - هنا - الرسالة، وهو - في اللغة - عبارة عن الزيادة، وأكثر ما يُستعمَل في زيادة الإحسان، والفاضل: الزائد على غيره [في خصال الخير، ثم كَثر استعمال الفَضْل حتى صار لكل نفع قَصَد به فاعله الإحسانَ إلى الغير] ، وقوله:{بِيَدِ الله} معناه: أن مالك له، يؤتيه من يشاءُ، أي: هو تفضُّلٌ موقوف على مشيئته، وهذا يدل على أن النبوةَ تحصُل بالتفضُّلِ، لا بالاستحقاق؛ لأنه جعلها من باب الفَضْل الذي لفاعله أنْ يفعَلَه، وأنْ لا يفعَلَه.
الواسع: الكامل القدرة، والعليم: الكامل العلم، فلكمال قُدْرَتهِ يصح أن يتفضل على أيِّ عَبْدٍ شاء بأي تفضُّل شاء، ولكمال علمه لا يكون شيء من افعاله إلا على وَجْه الحكمة والصواب.
قوله:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} أي: يختص بنبوته من يَشَاء، وهذا كالتأكيد لِمَا تَقَدَّم، والفرق بين هذه الآية والتي قبلها أن الفضل عبارة عن الزيادةِ من جنس المزيدِ عليه، والرحمةُ المضافةُ إلى الله - تعالى - أمرٌ أعْلى من ذلك الفضل، فرُبَّما بلغت هذه الرحمةُ إلى أن لا تكون من جنس ما آتاهم، بل يكون أعْلى وأجلَّ من ذلك {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .