وقرأ ابن كثير - في رواية شبل بن عباد - وأبو عمرو - في رواية محبوب -: «يقولُ» - بالرفع - وخرَّجوها على القطع والاستئناف، وهو مُشْكِلٌ؛ لما تقدم من أن المعنى على لزوم ذكر هذا المعطوف؛ إذْ لا يستقلّ ما قبله؛ لفساد المعنى، فكيف يقولون: على القطع والاستئناف.
قوله:{عِبَادًا} حكى الواحديُّ - عن ابن عباسٍ - أنه قال في قوله تعالى:{كُونُواْ عِبَاداً لِّي} أنه لغة مزينة ويقولون للعبيد: عباد.
قال ابنُ عطِية: ومن جموعه: عَبِيد وعِبِدَّى.
قال بعض اللغويين: هذه الجموع كلُّها بمعنًى.
وقال بعضهم: العبادُ للهِ، والعبيدُ والعِبِدَّى للبشر.
وقال بعضهم: العِبِدَّى إنما تقال في العبد من العَبيد، كأنه مبالغة تقتضي الإغراق في العبودية، والذي استقرأت في لفظ «العباد» أنه جَمْع عَبْد متى سيقت اللفظة في مضمار الترفُّع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير، وتصغير الشأن، وانظر قوله:{والله رَؤُوفٌ بالعباد}{بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}[الأنبياء: ٢٦] وقوله: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ}[الزمر: ٥٣] وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}[المائدة: ١١٨] ، وأما العبيد، فتستعمل في تحقيره.
وقال حمزة بن عبد المطلب:«وَهَلْ أنْتُمْ إلَاّ عَبِيدٌ لأبِي» ؟ ومنه قوله:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦] لأنه مكان تشفيق وإعلام بقلة أنصارهم ومقدرتهم، وأنه - تعالى - ليس بظلامٍ لهم مع ذلك. ولما كانت «العباد» تقتضي الطاعة لم تقع هنا، ولذلك أتى بها في قوله تعالى:{قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ}[الزمر: ٥٣] فهذا النوع من النظر يسلك به سبيل العجائب في فصاحة القرآن على الطريقة العربية.
قال أبو حيّان:«وفيه بعض مناقشة، أما قوله: ومن جموعه عَبِيد وعِبِدَّى، فأما عبيد، فالأصح أنه جمع، وقيل اسم جمع. وأما عِبِدَّى فإنه اسم جمع، وألفه للتأنيث» .
قال شهابُ الدّينِ:«لا مناقشة، فإنه إنما يعني جَمْعاً معنويًّا، ولا شك أن اسمَ الجمع جَمْعٌ معنويٌّ» .