الطريق الثاني: أن ينتفي القَيْدُ، فينتفي العامل فيه، فكأنه قيل في المثال السابق: لم يقبل، ولم يضحك، وهذا المعنى - أيضاً - غير مراد بالآية الكريمة قطعاً، أعني: نفي الإيمان والخداع معاً، بل المعنى على نَفْي الإيمان، وثبوت الخداع، ففسد جعلها حالاً من الضمير في «بمؤمنين» .
والعجب من أبي البَقَاءِ كيف استشعر هذا الإشكال، فمنع من جعل هذه الجملة في محل جر صفة ل «مؤمنين» ؟ قال: لأن ذلك يوجب نفي خِدَاعهم، والمعنى على إثبات الخداع، ثم جعلها حالاً من ضمير «بمؤمنين» ، ولا فرق بين الحال والصفة في هذا.
و «الخداع» أصله: الإخفاءُ، ومنه الأَخْدَعَان: عِرْقان مُسْتَبْطنان في العُنُقِ، ومنه مخدع البيت، وخَدَع الضَّبُّ خِدْعاً: إذا توارى في جُحْرِه، وطريق خادع وخديع: إذا كان مخالفاً للمقصد، بحيث لا يفطن له؛ فمعنى يخادع: أي يوهم صاحبه خلاف ما يريد به المَكْروه.
وقيل: هو الفساد أي يفسدون ما أَظْهَروا من الإيمان بما أَضمروا من الكُفْرِ قال الشاعر: [الرمل]
ومعنى «يُخَادعون الله» أي: من حيث الصورة لا من حيث المَعْنِى.
وقيل: لعدم عرفانهم بالله - تعالى - وصفاته ظنّوه ممن يُخَادَع.
وقال الزَّمخشري: إن اسم الله - تعالى - مُقْحَم، والمعنى: يخادعون الذين آمنوا، ويكون من باب: أعجبني زيد وكرمه. والمعنى: أعجبني كرم زيد، وإنَّما ذكر «زيد» توطئةً لذكر كرمه.
وجعل ذلك نظير قوله تعالى:{والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ}[التوبة: ٦٢] ، {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ}[الأحزاب: ٥٧] ، وهذا منه غير مُرْضٍ؛ لأنه إذا صح نسبة مخادعتهم إلى الله - تعالى - بالأوجه المتقدّمة، فلا ضرورة تدعو إلى ادعاء زيادة اسم الله تعالى.
وأما «أعجبني زيد وكرمه» ، فإن الإعجاب أسند إلى «زيد» بجملته، ثم عطف عليه بعض صفاته تمييزاً لهذه الصفة من بين سائر الصفات للشرف، فصار من حيث المعنى نظيراً لقوله تعالى:{وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال}[البقرة: ٩٨] .