قال ابن الخطيب: ويبعد عندي حَمْلُ هذه الآيةِ على هذا السبب؛ لأن على هذا التقدير - الآية منقطعة عما قبلها، والاستفهام على سبيل الإنكار يقتضي تعلُّقَها بما قبلها، وإنما الوجه في الآية أن هذا الميثاق لما كان مذكونراً في كُتُبِهِم، وهم كانوا عارفين بذلك، وعالمين بصِدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في النبوة، فلم يبق كفرهم إلا مجردَ عنادٍ وحَسَدٍ وعداوةٍ، فصاروا كإبليس حين دعاه الحسدُ إلى الكُفر، فأعلمهم - تعالى - أنهم متى كانوا كذلك كانوا طالبين ديناً غير دين اللهِ - تعالى - ثم بيَّن لهم أن التمرُّدَ على الله، والإعراضَ عن حكمه مما لا يليق بالعقل، فقال:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} .
قوله:«وله أسلم من في السموات» جملةٌ حاليةٌ، أي: كيف يبغون غير دينه، والحال هذه، وفي قوله:«طوعاً وكرهاً» وجهان:
أحدهما: أنهما مصدران في موضع الحال، والتقدير: طائعين وكارهين.
الثاني: أنهما مصدران على غير المصدر، قال ابو البقاء:«لأن» أسْلَمَ «بمعنى انقاد، وأطاع» وتابعه أبو حيان على هذا.
وفيه نظرٌ؛ من حيث إن هذا ماشٍ في «طَوْعاً» لموافقته معنى الفعل قبله، وأما «كَرْهاً» ، كيف يقال فيه ذلك؟ والقول بأنه يُغتفر في التوالي ما لا يُغْتَفَر في الأوائل، غير نافع هنا.
ويقال يطاع يطوع، وأطاع يُطيع بمعنى، قاله ابن السِّكيتِ، وقول: طاعه يطوعه: انقاد له، وأطاعه، أي: رضي لأمره، وطاوعه، أي: وافقه.
قرأ الأعمش:«وَكُرْهاً» - بالضم - وسيأتي أنها قراءة الأخوين في سورة النساء.
قال الحسنُ: أسلم من في السموات طوعاً، وأسلم من في الأرض بعضهم طَوْعاً، وبعضهم خوفاً من السيف والسِّبْي.
وقال مجاهد:«طوعاً» المؤمن، و «كرْهاً» ظل الكافر، بدليل قوله:{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بالغدو والآصال}[الرعد: ١٥] .
وقيل هذا يوم الميثاق، حين قال:{أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى}[الأعراف: ١٧٢] فقال بعضهم طوعاً، وبعضهم كرهاً.
قال قتادة: المؤمن أسلم طوعاً فنفعه، والكافر أسلم كرهاً في وقت اليأس، فلم