وبعضهم يدغم نحو هذا - أي لام «ملء» في لام «الأرضِ» - بعروض التقائهما.
والملء: مقدار ما يُمْلأ الوعاء، والمَلْء - بفتح الميم - هو المصدر، يقال: ملأت القدر، أملؤها، مَلأ، والملاءة بضم الميم والمد: الملحَفة.
و «ذهباً» العامة على نصبه، تمييزاً.
وقال الكسائي: على إسقاط الخافض، وهذا كالأول؛ لأن التمييز مقدر ب «من» واحتاجت «ملء» إلى تفسير؛ لأنها دالة على مقدار - كالقفيز والصّاع -.
وقرأ الأعمش: «ذهب» - بالرفع -.
قال الزمخشريُّ: ردًّا على «مِلْءُ» كما يقال: عندي عشرون نَفْساً رجال، يعني الردّ البدل، ويكون بدل نكرة من معرفة. قال أبو حيان: ولذلك ضبط الحذّاق قوله: «لك الحمد ملء السموات» بالرفع، على أنه نعت لِ «الْحَمْد» . واستضعفوا نصبه على الحال، لكونه معرفة.
قال شهاب الدين: «يتعين نصبه على الحال، حتى يلزم ما ذكره من الضعف، بل هو منصوب على الظرف، أي: إن الحمد يقع مِلْئاً للسموات والأرض» .
فإن قيل: من المعلوم أن الكافر لا يملك يوم القيامة نقيراً ولا قطميراً، وبتقدير أن يملك الذهب فلا نَفْعَ فيه، فما فائدة ذكره؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنهم إذا ماتوا على الكُفْر، فلو أنهم كانوا قد أنفقوا في الدنيا - مع الكفر _ أموالاً، فإنها لا تكون مقبولة.
الثاني: أن هذا على سبيل الفرْض والتقدير، فالذهب كناية عن أعز الأشياء، والتقدير: لو أن الكافر يوم القيامة قدر على أعز الأشياء، ثم قدر على بَذْله في غاية الكثرة، فعجز أن يتوسل بذلك إلى تخليص نفسه من العذاب، والمقصود أنهم آيسون من تخليص النفس من العقاب.
روى أنس - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:
«يَقُولُ اللهُ - لأهْوَن أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ - لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيءٍ، أكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيَقُولُ: أرَدتُّ مِنْك أهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً، فأبَيْتَ إلَاّ أنْ تُشْرِكَ بِي»
قوله: «ولو افتدى به» الجمهور على ثبوت الواو، وهي واو الحال.