وزعم بعض الحنفيَّة: أنه اسم للبُرِّ خاصَّةً، وهذه الآية حُجَّة عليهم؛ لأنه استثنى من لفظ» الطَّعَامِ «: ما حرم إسرائيل على نفسه، وأجمع المفسرون على أن ذلك الذي حرَّمه على نفسه كان غير الحنطة وما يُتَّخَذ منها، ويؤكد ذلك قوله - في صفة الماء -: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني}[البقرة: ٢٤٩] ، وقوله:{وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ}[المائدة: ٥] ، وأراد الذبائح، وقالت عائشة:» مَا لَنَا طَعَامٌ إلَاّ الأسودان «والمراد: التمر والماء.
فصل في المراد بالذي حرم إسرائيل على نفسه
اختلفوا في الذي حرَّمه إسرائيل على نفسه وفي سببه:
قال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبيُّ: روى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:» إنَّ يعقوبَ مَرِضَ مَرَضاً شديداً، فَنَذَرَ لَئِنْ عَافَاهُ اللهُ ليُحَرِّمَنَّ أحَبَّ الطعامِ والشَّرَابِ إلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ لُحْمَانَ الإبلِ وألبانها «.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادةُ والسُّدِّيُّ والضَّحَّاكُ: هي العروق، وكان السبب فيه، أنه اشتكى عرق النسا، وكان أصل وجعه - فيما روى جويبر ومقاتلٌ عن الضحاك - أن يعقوب كان قد نذر إن وهبه الله اثْنَي عشر وَلداً، وأتَى بيتَ لمقدس صحيحاً، أن يذبح آخرَهم، فتلقاه ملَكٌ من الملائكة، فقال: يا يعقوبُ، إنك رجل قويٌّ، فهل لك في الصِّراع؟ فصارعه فلم يصرع واحدٌ منهما صاحبه، فغمزه الملك غمزةً، فعرض له عرق النسا من ذلك، ثم قال له الملك: أما إني لو شئتُ أن أصرعك لفعلت، ولكن غمزتك هذه الغمزة؛ [لأنك كنتَ نذرتَ إن أتيتَ بيتَ المقدس صحيحاً أن تذبح آخر ولدِك، فجعل الله له بهذه الغمزة] مخرجاً، فلما قدم يعقوب بيت المقدسِ أراد ذَبْحَ ولده، ونَسِي قولَ المَلَك، فأتاه الملك، وقال: إنما غمزتم للمخرج، وقد وفى نذرك، فلا سبيل لك إلى ولدِك.
وقال عباسٍ ومُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ والسُّدِّيُّ: أقبل يعقوب من: «حَرَّان» يريد بيت