إلى أعلى الشيء وإلى أسفله، فمن الأول: {شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة: ١٠٩] ومن الثاني: هذه الآية.
وأشْفَى على كذا: قاربه، ومنه: أشفى المريض على الموت. قال يعقوب: يقال للرجل عند موته، وللقمر عند محاقه، وللشمس عند غروبها: ما بقي منه، أو منها، إلا شَفاً، أي: إلا قليل. وقال بعضهم: يقال لما بين الليل والنهار، وعند غروب الشمس إذا غاب بعضها: شَفاً.
وأنشد: [الرجز]
١٥٥٩ - أدْرَكْتُهُ بِلَا شَفاً، أوْ بِشَفَا ... وَالشَّمْسُ قَدْ كَادَتْ تكونُ دَنفَا
قوله بلا بشفا: أي: غابت الشمسُ، وقوله: أو بشفا، أي: بقيت منه بقية.
قال الراغب: والشفاء من المرض: موافاة شفا السلامة، وصار اسماً للبُرْء والشفاء.
قال البخاري: قال النحاس: «الأصل في شفا - شَفَوٌ، ولهذا يُكْتَب بالألف، ولا يمال» .
وقال الأخفش: «لما لم تَجُز فيه الإمالة عُرِفَ أنه من الواو» ؛ لأن الإمالةَ من الياء.
قال المهدويّ: «وهذا تمثيل يُراد به خروجُهم من الكفر إلى الإيمان» .
قوله: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} في عَود هذا الضمير وجوه:
أحدها: أنه عائد على «حُفْرَةٍ» .
والثاني: أنه عائد على «النَّارِ» .
قال الطبريّ: إن بعض الناس يُعيده على الشفا، وأنث من حيث كان الشفا مضافاً إلى مؤنث، كما قال جرير: [الوافر]
١٥٦٠ - أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ
قال ابن عطية: «وليس الأمر كما ذكروا؛ لأنه لا يُحتاج - في الآية - إلى مثل هذه الصناعة، إلا لو لم يجد للضمير مُعَاداً إلا الشفا، أما ومعنا لفظ مؤنث يعود الضميرُ عليه، ويُعَذِّده المعنى المتكلَّم فيه، فلا يحتاج إلى تلك الصناعة» .
قال أبو حيان: «وأقول: لا يحسن عَوْدُه إلا على الشفا؛ لأن كينونتهم على الشفا