إليه سيبويه وغيره من النحويين - وقد رجع الزمخشريّ إلى مذهب الجماعة في ذلك، وبطلان قول الأول مذكور في النحو وقد تقدم - في هذا الكتاب - حكاية مذهب الجماعة في ذلك، وعلى تقدير قول هذا الرجل - أأهملتكم فلم تكن آياتي، لا بدّ من إذمار القول، وتقديره: فيقال: أاهملتكم؛ لأن هذا المقدَّر هو خبر المبتدأ، والفاء جواب «أما» ، وهو الذي يدل عليه الكلام، ويقتضيه ضرورة.
وقول هذا الرجل: فوعق ذلك جواباً له ولقوله: «أكفرتم» يعني: أن «فذوقوا العذاب» جواب ل «أما» ولقوله: «أكفرتم» والاستفهام - هنا - لا جواب له إنما هو استفهام على طريق التوبيخ والإرذال بهم.
وأما قول هذا الرجل: ومن نظم العرب إلى آخره، فليس كلام العرب على ما زعم، بل يُجْعَل لكُلٍّ جوابٌ، إن لا يكن ظاهراً فمقدَّر، ولا يجعلون لهما جواباً واحداً.
وأما دعواه ذلك في قوله تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى}[البقرة: ٣٨] وزعمه أن قوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: ٣٨] . انتهى.
والهمزة في «أكَفَرْتُمْ» للإنكار عليهم، والتوبيخ لهم، والتعجُّب من حالهم.
وفي قوله:«أكَفَرْتُمْ» نوع من الالتفات، وهو المُسَمَّى عند علماء البيان بتلوين الخطاب، وذلك أن قوله:{فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ} في حكم الغيبة، وقوله - بعد ذلك «أكَفَرْتُمْ» خطاب مواجهة.
قوله:{فَذُوقُوا} من باب الاستعارة، جعل العذاب شيئاً يُدْرَك بحاسَّةِ الأكْل، والذوق؛ تصويراً له بصورة ما يُذَاق.
وقوله:{بِمَا كُنْتُمْ} الباء سببية، و «ما» مصدرية، ولا تكون بمعنى: الذي؛ لاحتياجها إلى العائد، وتقديره غير جائز، لعدم الشروط المجوِّزة لحَذْفِه.
فإن قيل: إنه - تعالى - قدَّم الذين ابيضَّت وجوهُهُمْ - في التقسيم - على الذين اسودَّت وجوهُهُم وكان حق الترتيب أن يقدِّمَهم في البيان.
فالجواب: أن الواو للجمع لا للترتيب، وأيضاً فالمقصود إيصال الرحمة، لا ابتداء العذاب، فابتدأ بذكر أهل الثواب، لأنهم أشرف، ثم ختم بذكرهم، تنبيهاً على أن إرادة الرحمة أكثر من إرادة الغضب، كما قال:{سبقت رحمتي غضبي} ، وأيضاً فالفصحاء والشعراء قالوا: يجب أن يكون مطلع الكلام ومقطعه شيئاً يسر الطبع، ويشرح الصدر - وذكر رحمة الله تعالى كذلك - فلا جرم ابتدأ بذكر أهل الثواب، وختم بذكرهم.