وقرأ أبو نُهَيْك:«يتلوها» بالياء - من تحت - وفيه احتمالان:
أحدهما: أن يكون الفاعل ضمير الباري - تعالى - لتقدُّم ذكره في قوله:{آيَاتُ الله} ولا التفات في هذا التقدير، بخلاف قراءة العامة.
الثاني: أن يكون الفاعل ضمير جبريل.
قوله:{بالحق} فيه وجهان:
لأول: ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه.
الثاني: بالحق، أي: بالمعنى الحق؛ لأن معنى المتلُوِّ حَقّ.
قوله:{وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} اللام - في «لِلْعَالَمِينَ» - زائدة - لا تعلُّق لها بشيء، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف، وهو - في التقدير - ضمير الباري، والتقدير: وما الله يريد أن يظلم العالمين، فزيدت اللام، تقوية للعامل؛ لكونه فرعاً، كقوله:{فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}[البروج: ١٦] .
فصل
وقيل: معنى الكلام: وما الله يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض، ورُدَّ هذا بأنه لو كان المراد هذا لكان التركيب ب «من» أولى منه باللام، فكان يقال: ظلماً من العالمين، فهذا معنى ينبو عنه اللفظ. ونكر «ظلماً» ؛ لأنه في سياق النفي، فهو يعم كل أنواع الظلم، وحسن ذكر الظلم - هنا -، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة، وهو تعالى أكرم الأكرمين، فكأنه - تعالى يعتذر عن ذلك، فقال: إنهم إنما وقعوا في هذا العذاب بسبب أفعالهم.
فصل
قال الجبائي: هذه الآية تدل على أنه - تعالى - لا يريد شيئاً من القبائح، لا من أفعاله، ولا من أفعال عباده ولا يفعل شيئاً من ذلك، لأن الظلم إما أن يُفْرَض صدوره من الله - تعالى - أو من العبد، وصدوره من العبد إما أن يظلم العبد نفسه بعصيانه - أو يظلم غيره، فهذه الأقسام الثلاثة هي أقسام الظلم، وقوله:{وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} نكرة في سياق النفي، فوجب ألا يريد شيئاً يكون ظلماً، سواء كان منه أو من غيره، وإذا ثبت ذلك وجب أن لا يفعل الظلم أصلاً - ويلزم منه أن يكون فاعلاً لأعمال العباد؛ لأن من جملة أعمالهم ظلمهم لأنفسهم، وظلم بعضهم لبعض، فثبت بهذه الآية أنه - تعالى - غير فاعل للظلم، وغير فاعل لأعمال العباد، وغير مريد للقبائح من أفعال العباد، قالوا: ويؤيده قوله - بعد ذلك -: {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}[آل عمران: ١٠٩] وإنما ذكر هذه الآية - عقيب ما تقدم - لوجهين: