أحدها: أنها ناقصة على بابها - وإذا كانت كذلك، فلا دلالة لها على مُضِيٍّ وانقطاع، بل تصلح للانقطاع نحو: كان زيدٌ قائماً، وتصلح للدوام، كقوله:{وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً}[النساء: ٩٦] ، وقوله:{وَلَا تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}[الإسراء: ٣٢] ، فهي - هنا - بمنزلة: لم يزل، وهذا بحسب القرائن.
وقال الزمخشري:«كان عبارة عن وجود الشيء في زمنٍ ماضٍ، على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارئ، ومنه قوله تعالى:{وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} ، وقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠] . كأنه قيل: وُجِدتم خيرَ أمة» .
قال أبو حيان: قوله: «لم يدل على عدم سابق» ، هذا إذا لم يكن بمعنى:«صار» ، فإذا كان بمعنى:«صار» دلت على عدم سابق، فإذا قلتَ: كان زيدٌ عالماً - بمعنى: صار زيدٌ عالماً - دل على أنه نقل من حالة الجَهْل إلى حالة العلم.
وقوله:؛ «ولا على انقطاع طارئ» ، قد ذكرنا - قبل - أن الصحيح أنها كسائر الأفعال، يدل لفظ المُضِيّ منها على الانقطاع، ثم قد يستعمل حيث لا انقطاع، وفرق بين الدلالة والاستعمال؛ ألا ترى أنك تقول:«هذا اللفظ يدل على العموم» ثم قد يستعمل حيث لا يراد العموم، بل يراد الخصوص.
وقوله: كأنه قيل: «وجتم خير أمة» ، هذا يعارض قوله: إنها مثل قوله: {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} ؛ لأن تقديره: وجدتم خير أمة يدل على أنها التامة، وأن {خَيْرَ أُمَّةٍ} حال، وقوله:{وكان الله غفوراً رحيماً} لا شك أنها - هنا - الناقصة، فتعارضا.
قال شهابُ الدين:«لا تعرُضَ؛ لأن هذا تفسير معنًى، لا إعراب» .
الثاني: أنها بمعنى: «صرتم» ، و «كان» تأتي بمعنى: «صار» كثيراً.