للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل

اعلم أن اليهود كانوا يقومون في الليل للتهجُّد، وقراءة التوراة، فلما مدح المؤمنين بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله: {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} ، وقد تقدَّم أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورُسُلِهِ، والإيمان باليومِ الآخرِ يستلزم الحذرَ من المعاصي، وهؤلاء اليهود كانوا ينكرون أنبياء الله، ولا يحترزون عن معاصي الله، لم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ أو المعاد.

قوله: {وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} .

قال ابن عباس: يؤمنون بتوحيد الله، ونبوة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وينهون عن الكفر.

وقيل: يأمرون بما ينبغي، وينهون عَمَّا لا ينبغي.

وقوله: {وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات} فيه وجهان:

أحدهما: يتبادرون إليها خوف الفَوْتِ بالمَوْتِ.

فإن قيل: أليس أن العجلة مذمومةٌ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الْعَجَلَةُ من الشَّيْطَانِ، والتأنِّي من الرَّحْمَنِ» فما الفرق بين السرعة والعَجَلَة؟

فالجواب: أن السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين، لأن من رغب في الآخرة آثر الفَوْزَ على التراخي، قال تعالى:

{وسارعوا

إلى

مَغْفِرَةٍ

مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] ، والعجلة - أيضاً - ليست مذمومة على الاطلاق؛ لقوله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} [طه: ٨٤] .

الوجه الثاني: يعملونها غَيْرَ متثاقلين.

قوله: {وأولئك مِنَ الصالحين} أي: الموصوفون بهذه الصفات من جملة الصالحين، الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم، وهذا غاية المدح من وجهين:

الأول: أن الله مدح بهذه الصفة أكابر الأنبياء، فقال - بعد ذكر إسماعيل، وإدريس، وذي الكفل وغيرهم: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ الصالحين} [الأنبياء: ٨٦] ، وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: ٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>