للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أنفسكم، فقال عبد الله بن أبَيّ: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاّتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: ١٦٧] ، وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبيّ، فعصمهم الله، فلم ينصرفوا، فذكرهم الله عظيم نعمته. فقال - عَزَّ وَجَلَّ - {إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا والله وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: ١٢٢] ناصرهما، وحافظهما، ثم قواهم الله، حتى هزموا المشركين، فلما رأى المؤمنون انهزام القوم، طلبوا المدبرين، فأراد الله أن يعظهم عن هذا الفعل؛ لئلا يقدموا على مخالفة أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وليعلموا أن نصرهم غنما حصل ببركة طاعتهم لله ولرسوله، ومتى تركهم الله مع عدوهم لم يقوموا لهم، فنزع الله الرُّعب من قلوب المشركين، فكَرَّ عليهم المشركون، وتفرق العسكر ن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما قال تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ على أحَدٍ والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: ١٥٣] ، وشُجَّ وَجْه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وكُس~رَت رَبَاعِيَتهُ، وشَلَّتْ يد طلحة دونه، ولم يَبْقَ معه إلا أبو بكر، وعليّ، والعباسُ، وطلحة وسعد، ووقعت الصيحة في العسكر بأن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد قُتِل، ثم نودي على الأنصار بأن هذا رسول الله، فرجع إليه المهاجرون والأنصار، وكان قد قُتِل منهم سبعون، وأكْثر فيهم الجراح، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:

«رحم الله رجلاً ذَبَّ عن إخوانه، وشدَّ على المشركين بمن معه حتى كشفهم عن القتلى والجرحى» ، وكان الكفار ثلاثة آلاف، والمسلمون ألفاً - أو أقل - رجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، وبقي مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سبعمائة، وأعانهم الله حتى هزموا الكفارَ، ثم لمَّا خالفوا أمرَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، واشتغلوا بطلب الغنائم انقلب الأمر عليهم، وانهزموا.

قوله: {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي: سميع لأقوالكم، «عليم» بضمائركم؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما شاور أصحابه في تلك الحرب، فقال بعضهم: أقم بالمدينة، وقال آخرون: اخرج إليهم، فكان لكل أحد غرض في نفسه، فمن موافق ومن منافق، فقال تعالى: {أنا سميع لما تقولون عليم بما تسرون} .

<<  <  ج: ص:  >  >>