اعلم أن الآياتِ المتقدمة، كالمقدمة لهذه الآية، كأنه قال: إن بحثتم عن أحوال القرون الماضية، علمتم أن أهل الباطل، وإن اتفقت لهم [الصَّولة] ، فمآل أمْرهم إلى الضَّعْف، ومآل أهل الحق إلى العُلُو والقوة، فلا ينبغي أن تصير صَولَةُ الكفَّار عليكم يوم أحد سبباً لضعف قلوبكم، وهذا حَثٌّ لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الجهاد على ما أصابهم من القتل، والجراح يوم أُحُد، يقول:{وَلَا تَهِنُوا} أي: لا تضعُفوا ولا تجبنُوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح، {وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} أي: تكون لكم العاقبة بالنصر والظَّفَر، وهذا مناسب لما قبله، لأن القومَ انكسرت قلوبُهم بذلك الوَهْن، فكانوا محتاجين إلى ما يُقَوِّي قلوبهم.
وقيل:{وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} أي: أن حالكم أعلى من حالهم في القتل، لأنكم أصَبْتُم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أُحُد، وهو كقوله:{أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا}[آل عمران: ١٦٥] أو لأن قتالكم لله تعالى، وقتالهم للشيطان؛ أو لأن قتالكم للدين الحق، وقتالهم للدين الباطل، فكل ذلك يُوجِب أن تكونوا أعْلَى حالاً منهم.
وقيل:«وأنتم الأعلون بالحجة» .
قوله:{إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} جوابه محذوف.
فقيل: تقديره: فلا تَهِنُوا ولا تحزنوا.
وقيل: تقديره: إن كنتم مؤمنين علمتم أن هذه الموقعةَ لا تَبْقَى بحالها، وأن الدولة تصير للمسلمين.
فصل
معنى:{وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} أي: بقيتم على إيمانكم.
وقيل: وأنتم الأعلون فكونوا مصدِّقين بما يَعِدُكم الله، ويُبَشِّركم به من الغَلَبَة.
وقيل: إن كنتم مؤمنين، معناه: إذا كنتم مؤمنين، أي: لأنكم مؤمنون.
وقال ابنُ عباس: انهزم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الشعب، فأقبل خالدُ بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يَعْلُوَ عليهم الجبلَ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«اللهم لا يَعْلُونَّ عَلَيْنَا، اللهُمَّ لا قُوَّةَ إلَاّ بِكَ» ، وثاب نَفَرٌ من المسلمين، رُماة، فصعدوا الجبل ورموا خَيْلَ المشركين، حتى هزموهم، فذلك قوله:{وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} .
وقال الكلبيُّ: نَزَلَتْ هذه الآية بعد يوم أُحُد، حين أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أصحابه بطلب