يوم أحد فقد مَسَّهُمْ قَرْحٌ مِثْلُهُ يوْمَ بَدْرٍ، وهو كقوله تعالى:{أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا}[آل عمران: ١٦٥] .
وقيل: إن الكفار قد نالهم يوم أُحُد مثل ما نالكم من الجُرح، والقتل؛ لأنه قُتِل منهم نيفٌ وعشرون رجلاً، وقتل صاحبُ لوائهم، والجراحات كَثُرَتْ فيهم، وعُقِرَ عامةُ خَيْلهم بالنبل، وكانت الهزيمة عليهم في أول النهار.
فإن قيل: كيف قال: {قَرْحٌ مِّثْلُهُ} ، وما كان قَرءحُهم يومَ أُحُد مثل قَرْح المشركين.
فالجواب: أن تفسير القرح - في هذا التأويل - بمجرد الانهزام، لا بكَثْرة القَتْلَى.
قوله:{وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس} يجوز في «الأيَّامُ» أن تكون خبراً لِ «تِلْكَ» و «نُدَاوِلُهَا» جملة حالية، العامل فيها معنى اسم الإشارة، أي: إشيرُ إليها حال كونها مداوَلةً، ويجوز أن تكون «الأيَّامُ» بدلاً، أو عَطْفَ بيان، أو نَعْتاً لاسم الإشارة، والخبر هو الجملة من قوله:{نُدَاوِلُهَا} وقد مر نحوه في قوله: {تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا}[أل عمران: ١٠٨] إلا أن هناك لا يجيء القول بالنعت؛ لما عرفت أنَّ اسم الإشارة لا ينعت إلا بذي أل و «بَيْنَ» متعلق ب «نُدَاوِلُهَا» ، وجَوَّزَ أبُو البقاءِ أن يكون حالاً من مفعول «نُدَاوِلُهَا» ولَيْسَ بِشَيءٍ.
والمداوَلة: المناوَبة على الشيء، والمُعَاودة، وتعهَّده مرةَ بعد أخْرَى، يقال: دَاوَلْتُ بينهم الشيء فتداولوه، كأن «فَاعَل» بمعنى: «فَعَل» .
وقال الفقَّال: المداولة: نَقْل الشيء من واحد إلى آخر، يقال: تداولته الأيدي - إذا تناولته ومنه قوله تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ}[الحشر: ٧] أي: تتداولونها، ولا تجعلون للفقراء منها نصيباً، ويقال: الدُّنيا دول، أي: تنتقل من قوم إلى آخرين.