راية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عنه، فقتله ابنُ قَمِئة، وهو يرى أنه قتل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فرجع، وقال: إني قتلتُ محمداً، وصاح صارخ: ألا إن محمداً قد قُتِل - قيل: إن ذلك الصارخ كان إبليس - وانكف الناسُ، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يدعو الناسَ: إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً، فحَمَوْه حتى كسفوا عنه المشركين، ورمى سعدُ بن أبي وقاص حتى اندقت سِيَةُ قوسه، ومثل له رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كنانته فقال: ارْمِ فداكَ أبي وأمي، وكان أبو طلحةَ رجلاً رامياً، شديد النزع، كسر يومَ أُحُد قوسين أو ثلاثة، فكان الرجل يمر معه بجَعْبَةٍ من النَّبْلِ، فيقول: انثرها لأبي طلحة، وكان إذ رمى يُشْرِفُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فينظر إلى موضع نَبْلِهِ، وأَصيبت يَدُ طلحةَ بن عبيد الله فيبست، وقى بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأصِيبتْ عَيْنُ قتادةَ بن النعمان يومئذ، حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مكانَها، فعادت كأحسن ما كانت، فلما انصرف رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أدْرَكَهُ أبَيّ بن خلف الجُمَحِيّ، وهو يقول: لا نجوتُ إن نَجَا، فقال القوم: يا رسولَ الله، ألا يعطف عليه رجل منا؟ فقال: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: دَعُوه، حتى إذا دنا منه - وكان أبَيّ كُلَّما لقي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَبْل ذلك، قال له: عندي دمكة أعلفها كل يوم فَرَق ذُرة؛ أقتلك عليها، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بَلْ أنا أقْتُلُكَ إنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الحَرْبَة من الحارث بن الصِّمَّة، ثم استقبله فطعنه في عنقه، وخدشه خدشة، فتدأدأ عن فرسه - وهو يخور كما يخور الثور - وهو يقول: قتلني محمد، وحمله أصحابه، وقالوا: ليس بك من بأس، فقال: أليس قال لي: أقتلك؟ فلم يلبث إلا يوماً حتى مات بموضع يقال له: سرف.
قال ابن عباس: اشتد غضب الله على مَنْ قتل نبيه، واشتد غضب الله على من رمى وَجْهَ رسول الله قال: وفشا في الناس أن محمداً قد قُتِل فقال بعضُ المسلمين: يا ليت لنا رسولاً غلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، وبعض الصحابة جلسوا وألقوا بأيديهم.
وقال أناس من أهل النفاق: إن كان محمدٌ قد قُتِل فالحقوا بدينكم الأول، فقال أنَس بن النضر - عم أنس بن مالك: يا قوم، إن كان محمد قد قُتِل فإن ربَّ محمد لم يُقْتَل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله، قوموا، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء - يعني: المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني: المنافقين - ثم شد بسيفه، فقاتل حتى قُتِلَ ثم إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس، فأوَّل من عرف رسول الله كعب بن مالك، وقال: عرفت عينيه تحت المِغْفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشروا؛ هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأشار إليَّ أن أسْكُتَ، فانْحَازَتْ إليه طائفة من أصحابه، فلامهم النَّبيُّ على الفرار. فقالوا: يا رسولَ الله - فديناك بآبائِنَا وأمهاتنا - أتانا