وذهب الحسنُ وابن جُبَيرٍ وجماعة إلى أن القتلَ للرِّبِّيِّينَ، قالوا: لأنه لم يُقْتَل نبيٌّ في حَرْب قط ونصر الزمخشري هذا بقراءة قُتِّل - بالتشديد - يعني أنّ التكثيرَ لا يتأتى في الواحد - وهو النبي - وهذا - الذي ذكره الزمخشريُّ - سبقه إليه ابنُ جني - وسيأتي تأويله -.
وقرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وأبو عمرو: قُتِل - مبنياً للمفعول - وقتادة كذلك، إلا أنه شدد التاء، وباقي السبعة: قاتل، وكل من هذه الأفعال يصلح أن يرفع ضمير «نَبِيّ» وأن يرفع «رِبِّيُّونَ» - كما تقدم تفصيلُهُ -.
وقال ابنُ جني: إنَّ قراءة: قُتّل - بالتَّشْديد - يتعين أن يسند الفعل فيها إلى الظاهر - أعني:«رِبِّيُّونَ» - قال: لأنَّ الواحدَ لا تكثير فيه.
قال أبو البقاء:«ولا يمتنع أنْ يكونَ فيه ضمير الأول؛ لأنه في معنى الجماعةِ» .
يعني أن «مِنْ نَبِيٍّ» المراد به الجنس، فالتكثير بالنسبة لكثرة الأشخاص؛ لا بالنسبة إلى كل فَرْد؛ إذ القتل لا يتكثر في كلِّ فردٍ.
وهذا الجوابُ - الذي أجابَ به أبو البقاءِ - استشعر به أبو الفتحِ، وأجاب عنه، قَالَ: فإن قيل: فهلَاّ جاز فُعِّل؛ حَمْلاً على معنى «كَمْ» ؟
فالجواب: أن اللفظ قد مشى على جهة الإفراد في قوله: «مِنْ نَبِيٍّ} ودلَّ الضمير المفرد» مَعَهُ «على أن المراد إنما هو التمثيلُ بواحدٍ واحدٍ، فخرج الكلامُ على معنى» كم «. قال: في هذه القراءةِ دلالةٌ على أنَّ من قرأ من السَّبْعَةِ» قُتِلَ «أو» قَاتَل مَعَهُ رِبِّيُّونَ «فإن» ربِّيُّونَ «مرفوعٌ في قراءته ب» قُتِل «أو» قَاتَل «وليس مرفوعاً بالابتداء، ولا بالظرف، الذي هو» مَعَه «.
قال أبو حيّان: «وليس بظاهر؛ لأن» كأين «مثل» كَمْ «وأنتَ خبيرٌ إذا قلتَ: كم من عانٍ فككته، فأفردت، راعيت لفظ» كم «ومعناها جمع، فإذا قلت: فككتهم، راعيت المعنى، وليس معنى مراعاة اللفظ إلا أنك أفردت الضمير، والمراد به الجمع. فلا فرق من حيثُ المعنى - بين فككته وفككتهم، كذلك لا فرق بين قتل معه ربيون، وقتل معهم ربيون، وإنما جاز مراعاة اللفظ تارةً، ومراعاة المعنى تارة؛ لأن مدلول» كم «و» كأين «كثير، والمعنى: جمع كثير، وإذا أخبرت عن جمع كثيرٍ فتارةً تفرد؛ مراعاةً للفظ، وتارة تجمع؛ مراعاة للمعنى، كما قال تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}[القمر: ٤٤ و٤٥] ، فقال:» مُنْتَصِر «وقال:» وَيُوَلُّونَ «فأفرد في» مُنْتَصِرٌ «وجمع في» يُوَلُّونَ «.
ورجح بعضهم قراءة» قَاتَلَ «لقوله - بعد ذلك -: {فَمَا وَهَنُواْ} قال: وإذا قتلوا، فكيف يوصفون بذلك؟ إنما يوصف بهذا الأحياء؟