نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} [لقمان: ٣٢] قال أبو حيان: لا يقال: كيف يقالُ: انقسمتم إلى مريدِ الدُّنْيَا، وإلى مريدِ الآخرةِ فيمن فشل وتنازع وعصى؛ لأن هذه الأفعالَ لم تصدر من كُلِّهم، بل من بعضِهِمْ.
واختلفوا في «إذا» - هذه - هل هي على بابها أم بمعنى «إذْ» ؟ والصحيح الأول، سواء قلنا إنها شرطية أم لا.
فصل
الفشلُ: هو الضعف.
وقيل: الفشل: الجُبْن، وليس بصحيح؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ}[الأنفال: ٤٦] أي: فتضعفوا، ولا يليق أن يكونَ المعنى فتجبنوا.
والمراد من التنازُع اختلاف الرُّماةِ حين انهزم المشركون، فقال بعضُهم لبعض: انهزم القومُ، فما مقامنا؟ وأقبلوا على الغنيمة.
وقال بعضهم: لا نتجاوز أمر رسولِ اللهِ وثبت عبد الله بن جبير في نَفَرٍ يسير من أصحابه دون العَشَرة - فلما رآهم خالد بن الوليد وعكرمةُ بن أبي جهلٍ حملوا على الرُّمَاة فقتلوهم، وأقبلوا على المسلمين، وحالت الريحُ، فصارت دبوراً بعد أن كانت صَباً، وانتقضت صفوف المسلمين، واختلطوا فجعلوا يقتتلون على غير شِعَارٍ، يَضْرِبُ بعضهم بعضاً ما يَشْعرون من الدهش، ونادى إبليسُ: إن محمداً قد قُتِل، فكان ذلك سبب هزيمة المسلمينَ.
قوله:{وَعَصَيْتُمْ} يعني: أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اي خالفتم أمره بملازمة ذلك المكان {مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ} من الظفر والغنيمة.
فإن قيل: لِمَ قدم ذِكْرَ الفشل على التنازع والمعصية؟
فالجوابُ: أن القوم لما رأوا هزيمة الكفارِ، وطمعوا في الغنيمة، فشلوا في أنفسهم عن الثبات، طمعاً من الغنيمةِ، ثم تنازعوا - بطريق القولِ في أنَّا هل نذهب لطلب الغنيمة، أم لا؟ ثم اشتغلوا بطلب الغنيمة.
فإن قيل: إنما عصى البعض بمفارقة ذلك المكانِ، فلِمَ جاء العقابُ عاماً؟
فالجوابُ: أنَّ اللفظَ - وإن كان عاماً - قد جاء المخصِّص بعده، وهو قوله:{مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} .