وثانيها: أنَّ ضرر استهزائهم بالمُؤْمنين راجعٌ إليهم، وغير ضَارّ بالمؤمنين، فيصير كأن الله استهزأ بهم.
وثالثها: أنّ من آثار الاستهزاء حُصُول الهَوَان والحَقارة، فذكر الاستهزاء، والمراد حُصُول الهَوَان لهم فعبّر بالسَّبب عن المُسَبِّب.
ورابعها: أنَّ استهزاء الله بهم أن يظهر لهم من أَحْكَامِهِ في الدُّنْيا ما لهم عند اللهِ خلافها في الآخرة، كما أنهم أَظْهَرُوا [للنَّبي و] المؤمنين أمراً مع أنَّ الحاصل منهم في السر خلافه، وهذا ضعيف؛ لأنه - تعالى - لما أظهر لهم أحكام الدُّنيا، فقد أظهر الأدلّة الواضحة بما يعاملون به في الدَّار الآخرة، فليس في ذلك مخالفة لما أظهره في الدنيا.
وخامسها: أن الله - تعالى - يُعَاملهم مُعَاملة المُسْتَهْزِئِ في الدُّنيا والآخرة، أما في الدنيا، فلأنه أطلع الرسول على أَسْرَارِهِمْ لِمُبَالغتهم في لإخْفَائِها، وأمّا في الآخرة فقال ابنُ عَبَّاس: هو أن يفتح لهم باباً من الجنة، فإذا رأوه المُنافقون خرجوا من الجَحِيمِ متوجّهين إلى الجنة، فإذا وصلوا إلى باب الجنة، فهناك يغلق دونهم الباب، فذلك قوله تعالى:{فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ}[المطففين: ٣٤] وقيل: هو أن يُضْرَبَ للمؤمنين نورٌ يَمْشون به على صراط، فإذا وصل المنافقون إليه حِيَلَ بينهم وبينه، كما قالَ تَعَالَى:{فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ}[الحديد: ١٣] الآية.
فإن قيل: هلا قيل: إن الله يستهزئ بهم ليكون مطابقاً لقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة: ١٤] ؟