لهم، وإذا أمره بالاستغفار لهم لا يجوز أن لا يجيبه إليه؛ لأن ذلك لا يليق بالكريم، وإذا دلت الآية على أنه - تعالى - شفع محمداً في أصحاب الكبائر في الدنيا فلأنه يشفعه يوم القيامة كان أولى.
قوله:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} يقال شاورهم مشاورة وشِوَاراً وَمَشورة، والقوم شورى، وهي مصدر، سمي القوم بها، كقوله:{وَإِذْ هُمْ نجوى}[الإسراء: ٤٧] قيل: المشاورة: مأخوذة من قولهم: شُرتُ العسل، أشورُه: إذا أخذته من موضعه واستخرجته.
وقيل: مأخوذة من قولهم: شربت الدابّة، شوراً - إذا عرضتها والمكان الذي يعرض فيه الدوابّ يسمى مشواراً، كأنه بالعرض - يعلم خيره وشرهن فكذلك بالمشاورة يعلم خير الأمور وشرها.
الفائدة في أمر اللهِ لرسوله بالمشاورة من وجوه:
الأول: أن مشاورة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إياهم توجب علو شأنهم، ورفعة درجتهم، وذلك يقتضي شدة محبتهم له، فلو لم يفعل ذلك لكان ذلك إهانة بهم، فيحصل سوء الخلقِ والفظاظة.
الثاني: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإن كان أكملَ الناس عقلاً، إلا أن [عقول] الخلق غير متناهية، فقد يخطر ببال إنسانٍ من وجوه المصالح - ما لا يخطر ببال آخرَ، لا سيما فيما يتعلق بأمور الدنيا، قال:«أَنتم أعرف بأمور دنياكم» ولهذا السبب قال: «ما تشاور قوم قط إلا هُدُوا لأرشد أمورهم» .
الثالث: قال الحسنُ وسفيانُ بن عيينة إنما أمر بذلك ليقتدي به غيره في المشاورة ويصير ذلك سنة في أمته.
الرابع: أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شاورهم في واقعة أُحُد، فأشاروا عليه بالخروج، وكان ميله إلى ألا يخرج، فلما خرج وقع ما وقع، فلو ترك مشاورتهم بعد ذلك لكان ذلك يدل على أنه بقي في قلبه منهم - بسبب مشاورتهم - بقية أثرٍ، فأمره الله - تعالى - بمشاورتهم بعد تلك الواقعةِ، ليدل على أنه لم يَبْقَ في قلبه أثرٌ من تلك الواقعة.
الخامس: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمر بمشاورتهم، لا ليستفيد منهم رأياً وعِلْماً، بل ليعلم مقادير عقولهم، ومحبتهم له.
وقيل: أمر بالمشاورة [ليعلم] مقدار عقولهم وعلمهم، فينزلهم منازلهم على