للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: أنه - تعالى - وصف مَنْ باء بِسَخَطٍ من الله - وهو أن مأواهم جهنم وبئس المصيرِ - فوجب أن يكون قوله: «هم درجات» وصفاً لمَن اتبع رضوان الله.

وإن أعدنا الضمير إلى مَنْ باء بسخط فلأنه أقرب، وهو قول الحسن، قال: إن المراد به أن أهل النارِ متفاوتون في مراتب العذاب، كقوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} [الأحقاف: ١٩] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «إنَّ فِيهَا ضَحْضَاحاً وغَمْراً، وأنَا أرَجْو أنْ يَكُونَ أبُو طِالِبٍ فِي ضَحْضَاحِهَا» .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ رجُلٌ لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْ حَرِّهِمَا دِمَاغُهُ» .

وإذا أعدنا الضمير إليهما فلأن درجات أهل الثواب متفاوتة، وكذلك درجات أهل العقاب، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: ٧، ٨] . وقوله: «عَنْدَ اللهِ» أي: في حكم الله وعلمه، كما يقال: هذه المسألة عند الشافعيّ كذا، وعند أبي حنيفة كذا. ثم قال: «واللهُ بَصيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» أي «عالم بجميع أفعال العباد على التفصيل.

فصل

ذكر محمدُ بن إسحاق - في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: ١٦١]- وجهاً آخر، فقال: أي: ما كان لنبي ان يكتمَ الناس ما بعثه الله به إليهم، رغبةً أو رهبةً، ثم قال: {أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله} يعني رجَّح رضوانَ الله على رضوان الخَلْق وسَخَط الله على الخَلْق {كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ الله} فرجَّح سخَط الخلق على سخط الله، ورضوان الخَلْق على رضوان الله؟

ووجه النَّظم - على هذا التقدير - أنه تعالى لما قال: {فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} [آل عمران: ١٥٩] بيَّن أنَّ ذلك إنما يكون معتبراً إذا كان على وفق الدين، فأما إذا كان على خِلاف الدّينِ فإنه غيرُ جائزٍ، فكيف يُمِنُ التسويةُ بينَ من اتبع رضوانَ الله وطاعته وبَيْنَ من اتبع رضوانَ الخلقِ؟

قال ابنُ الخَطِيبِ:» وهذا الذي ذكره مُحْتَمَل، لأنا بيَّنَّا أنَّ الغلولَ عبارةٌ عن الخيانة على سبيل الخفية، فأما اختصاص هذا اللفظ بالخيانة في الغنيمة، فهو عُرْفٌ حادِثٌ «.

<<  <  ج: ص:  >  >>