للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

معنى مفرد، لا يدخل معه زيادة إذا حصل، ولا يبقى منه شيء إذا زال، فلم يَبْقَ إلا أن تكون الزيادة والنقصان في متعلقاته، دون ذاتِهِ. ومعنى الآية: زادهم قولِ الناسِ إيماناً ونُصْرَةً ويقيناً في دينهم، وإقامة على نُصْرَته، وقوةً وجرأةً واستعداداً، فزيادة الإيمان - على هذا - هي في الأعمال» .

قال ابنُ الخطيب: المرادُ بالزيادَةِ في الإيمان أنهم لما سمعوا هذا الكلامَ المخوِّف لم يلتفتوا إليه، بل حدث في قلوبهم عَزْم متأكد على محاربة الكفار وعلى طاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في كل ما يأمر به وينهى عنه - ثقل ذلك أو خَفَّ - لأنه قد كان فيهم مَنْ به جراحاتٌ عظيمةٌ، وكانوا محتاجين إلى الممداواةِ، وحدث في قلوبهم وثوق بأنَّ الله ينصره على أعدائهم ويؤيدهم في هذه المحاربة، فهذا هو المراد من قوله: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} .

فصل

هذه الواقعةُ تدل دلالة ظاهرةً على أن الكل بقضاء وقَدَره؛ وذلك لأن المسلمين كانوا قد انهزموا من المشركين يوم أحُدٍ، والعادة جارية بأنه إذا انهزم أحد الخصمينِ عن الآخر، فإنه يحصل في قلب الغالب قوة وشدة استيلاء، وفي قلب المغلوب انكسار وضعف، ثم إنه - سبحانه وتعالى - قَلَبَ القضية ها هنا، فأودع قلوبَ الغالبين - وهم المشركونَ - الخوفَ والرعبَ، وأودع قلوب المغلوبين القوةَ والحميةَ والصلابةَ، وذلك يدل على أن الدواعي والصوارفَ من الله تعالى، وأنها متى حدثت في القلوبِ وقعت الأفعال على وفقتها. ثم قال تعالى: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل} والمعنى: أنهم كلما زادوا إيماناً في قلوبهم أظهروا ما يطابقه، فقالوا: {حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل} قال ابن الأنْبَارِيّ: {حَسْبُنَا الله} أي: كافينا الله.

ومثله قوله امرئ القيس: [الوافر]

١٦٩٣ - فَتَملأ بِيْتَنَا أقِطاً وَسَمْناً ... وَحَسْبُكَ مِنْ غَنًى شِبَعٌ وَرِيّ

أي: يكفيك الشَّبَعُ والرَّيُّ.

وأما «الوكيل» ففيه أقوالٌ:

أحدُهَا: أنه الكفيل.

قال الشاعر: [الطويل]

١٦٩٤ - ذَكَرْتُ أبَا أروَى فَبِتُّ كَأَنَّنِي ... بِرَدِّ الأمُورِ الْمَاضِيَاتِ وَكِيلُ

الثاني: قال الفرّاء: الوكيل: الكافي، والذي يدل على صحة هذا القول أن «نِعْمَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>