قال الزمخشريُّ: فإن قلت: كيف صح مَجِيءُ البدلِ، ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصارُ بفعل الحسبانِ على مفعولٍ واحدٍ؟
قلتُ: صحَّ ذلك من حيثُ إنّ التعويلَ على البدل والمبدل منه في حكم المُنَحَّى، ألا تراك تقول: جَعَلْتُ متاعَك بعضَه فوقَ بَعْضٍ، مع امتناع سكوتك على: متاعك.
وهذا البدلُ بدلُ اشتكالٍ - وهو الظاهرُ - أو يدل كُلٍّ من كُلٍّ، ويكون على حَذْف مضافٍ، تقديره: ولا تحسبن إملاء الذين، فحذف» إملاء «وأبدل منه:» أنما نملي «قولان مشهوران.
الثالثُ: وهو أغربها -: أن يكون» الذين كفروا «فاعلاً ب» تحسبن «على تأويل أن تكون التاء في الفعل للتأنيث، كقوله:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين}[الشعراء: ١٠٥] أي: ولا تحسبن القوم الذين كفروا، و» الذين «وضصْف للقوم، كقوله تعالى:{وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ}[الأعراف: ١٣٧] . فعلى هذا تتحدد هذه القراءة مع قراءة الغيبة، وتخريجها كتخريجها، ذك ذلك أبو القاسم الكرماني في تفسيره المُسمَّى ب» اللُّباب «. وفيه نظر؛ من حيث إن» الذين «جارٍ مَجْرَى جمع المذكر السالم، والجمع المذكر السالم لا يجوز تأنيث فعله - عند البصريين - لا يجوزُ: قامت الزيدون، ولا: تقوم الزيدون. وأما اعتذاره عن ذلك بأن» الذين «صفة للقوم - الجائز تأنيث فِعلهم - وإنما حذف، فلا ينفعه؛ لأن الاعتبارَ إنما هو بالملفوظ لا بالمقدَّر، لا يجيز أحدٌ من البصريين: قامت المسلمون - على إرادة: القوم المسلمون - ألبتة.
وقال أبو الحسن الحوفيُّ:» أن «وما عملت فيه من موضع نصب على البدل، و» الذين «المفعول الأول، والثاني محذوف.
وهو معنى قول الزمخشريَّ المتقدم.
الرابع: أن يكون:» أنما نملي لهم «بدلاً من:» الذين كفروا «بدل اشتمال - أي: إملاءنا - و» خير «بالرفع - خبر مبتدأ محذوف، أي: هو خير لأنفسهم، والجملة هي المفعول الثاني، نقل ذلك أبو شامة عن بعضهم، ثم وقال: قُلْتُ: ومثل هذه القراءة بيت الحماسةِ.