كانَ واللامُ عندهم هي العاملةُ النصْبَ في الفعل بنفسها، لا بإضمار «أن» والتقدير عندهم: ما كان الله ليذرَ المؤمنين.
وضعَّف أبو البقاء مذهبَ الكوفيين بأنّ النصب قد وُجِد بعد هذه اللامِ، فإن كان النصبُ بها نفسها فليست زائدةً، وإن كان النصبُ بإضمار «أن» فسَد من جهة المعنى لأن «أن» وما في حيزها بتأويل مصدر، والخبر في باب «كان» هو الاسم في المعنى، فيلزم أن يكون المصدر - الذي هو معنى من المعاني - صادقاً على اسمها، وهو مُحَالٌ.
وجوابه: أما قوله: إن كان النصبُ بها فليست زائدةً ممنوع؛ لأن العملَ لا يمنع الزيادةَ، ألا ترى انَّ حروف الجَرِّ تُزاد، وهي عاملة وكذلك «أن» عند الأخفشِ، و «كان» في قول الشاعر: [الوافر]
كما تقدم تحقيقه و «يذر» فعل لا يتصرف - كَيَدَعُ - استغناء عنه بتصرُّف [مرادفه]- وحُذِفت الواو من «يذر» من غير موجب تصريفي، وإنما حُمِلَت على «يدع» لأنها بمعناها، و «يدع» حُذِفت منه الواوُ لموجب، وهو وقوع الواو بين ياءٍ وكسرةٍ مقدرة وأما الواو في «يذر» فوقعت بين ياء وفتحةٍ أصليةٍ. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى:{وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا}[البقرة: ٢٧٨] .
فصل
وجه النظم: أن هذه الآية من بقية أحُد، فأخبر - تعالى - أن الأحوالَ التي وقعتْ في تلك الحادثةِ - من القتل والهزيمة، ثم دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى الخروج إلى العدو مع من كان بهم من الجراحاتِ، ثم دعاهم مرة أخْرَى إلى بدرٍ الصُّغْرَى، لموعد أبي سفيانَ - دليلٌ على امتيازِ المؤمنين من المنافقين، فأخبر - تعالى - بأنه لا يجوزُ - في حكمته - أن يترككم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم، وإظهارهم أنهم منكم - بل يجب في حكمته أن يُمَيِّز الخبيث - وهو المنافق - من الطيب - وهو المؤمن -.
فصل في سبب النزول
قال الكلبيُّ: قالت قريشُ: يا محمدُ، تزعم أن من خالفك، فهو في النَّارِ، واللهُ عليه غَضْبَانُ، وأن من اتبعك، وهو على دينك، فهو في الجَنَّةِ، واللهُ عَنْهُ راضٍ. فأخْبِرْنا بمن يُؤمنُ بك، ومَن لا يُؤمنُ؛ فأنزل الله هذه الآية.
وقال السُّديُّ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «عُرِضَتْ عليَّ أمَّتِي فِي صُورَتِهَا في العِلِّيِّينَ، كَمَا