فقال فنحاص: يا أبا بكر، تزعم أن ربنا يستقرض من أموالنا، وما يستقرض إلا الفقيرُ من الغنيّ، فإن كان كما تقول حقاً فإن الله - إذَنْ - فقيرٌ ونحن أغنياء، وأنه ينهاكم عن الرِّبَا ويُعْطِينا، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا - يعني في قوله:
{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}[البقرة: ٢٤٥] فغضب أبو بكرٍ، وضرب وَجْه فنحاص ضربةً شديدةً، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عَدُوَّ الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: يا محمدُ، انظر ما صنع بي صاحبُك. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يا أبا بكر، ما حملك ما صنعتَ؟ قال يا رسولَ اللهِ، إن عدوّ الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وهم أغنياء، فغضبت لله، وضربت وجهه، فجحد ذلك فِنْحاصٌ، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - هذه الآية رَدًّا على فنحاصٍ، وتصديقاً لأبي بكر.
واعلم أنَّ ظاهرة الآية يدل على أن قائل هذا القول كانوا جماعةً؛ لقوله تعالى:{الذين قالوا} وأما ما روي عن فِنْحاص فلا يدل على أن غيره لم يَقُل ذلك، والكتاب يشهد بأن القائلين جماعة، فيجب القطع بذلك.
قوله:{سَنَكْتُبُ} قرأ حمزة بالياء، مبنياً لما لم يُسَمَّ فاعله، و «ما» وصلتها قائم مقام الفاعل، و «قَتْلُهم» - بالرفع - عَطْفاً على الموصول، و «يَقُولُ» - بياء الغيبة - والمعنى: سيحفظ عليهم. والباقون بالنون للمتكلم العظيم، ف «ما» منصوبة المحل، و «قَتْلَهُمْ» بالنصب عَطْفاً عليها، و «نَقُولُ» بالنون - والمعنى: سنأمر الحفظةَ بالكتابةِ.
وقرأ طلحة بن مُصَرَِّف «سَتُكْتَبُ» - بتاء التأنيث - على تأويل «مَا قَالُوا» ب «مَقَالَتُهُمْ» . وقرأ ابن مسعود - وكذلك هي في مصحفه - سنكتب ما يقولون ويقال. والحسنُ والعرج «سَيَكْتُب» - بالغيبة - مبنياً للفاعل، أي: الله تعالى: أو الملك.
و «ما» - في جميع ذلك - يجوز أن تكون موصولة اسمية - وهو الظاهر - وحذف العائدُ لاستكمال شروطِ الْحَذْفِ، تقديره: سنكتب الذي يقولونه - ويجوز أن تكون مصدرية، أي: قولهم - ويراد به - إذ ذاك - المفعول به، أي: مقولتهم، كقولهم: ضَرْب الأمير.