للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العبد معاملةَ المختبر، واختلفوا في هذا الابتلاء، فقيل: المراد ما نالهم من الشدة والفَقْرِ والقتل والجرح من الكفار، ومن حيثُ أُلزموا الصبر في الجهاد.

وقيل: الابتلاء في الأموال بالمصائب، وبالإنفاق في سبيل اللهِ وسائر تكاليف الشَّرْع، والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفَقْد الأحْباب. وبدأ بذكر الأموال لكثرة المصائب بها.

وقال الحسنُ: التكاليفُ الشديدَةُ المتعلقة بالدينِ والمالِ، كالصلاة والزكاة والجهاد.

وقال القاضي: والظاهرُ يحتمل الكُلُّ.

قوله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً} المرادُ منه أنواع الأذى الحاصلة من اليهود والنصارَى والمشركين للمسلمين، وذلك أنهم كانوا يقولون: {عُزَيْرٌ ابن الله} [التوبة: ٣٠] و {المسيح ابن الله} [التوبة: ٣٠] و «ثالث ثلاثة» وكانوا يطعنون في الرسول بكل ما يقدرون عليه، وهجاه كعبُ بن الأشرفِ، وكانوا يُحَرِّضون النَاس على مخالفة الرسول، ويجمعون الناس لمحاربته، ويُثَبّطون المسلمين عن نُصْرَتِه، ثم قال: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور} .

قال المفسّرونَ: بَعَثَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أبا بكر إلى فنحاص اليهوديِّ، يستمده، فقال فنحاصٌ: قد احتاج ربكم إلى أن نمده فَهَمَّ أبو بكر أن يَضْرِبَه بالسيف، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال له - حين أرسله -: لا تغلبن على شيء حتى ترجع إليَّ، فتذكَّر أبو بكر ذلك، وكفَّ عن الضرب، فنزلت الآية.

فصل

في الآية تأويلان:

أحدهما: أن المرادَ منه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالمصابرة على الابتلاء في النفسِ والمالِ، وتحمُّلِ الأذَى، وتَرك المعارضة والمقابلة، وذلك لأنه أقرب إلى دخول المُخالف في الدين، كقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: ٤٤] وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ} [الجاثية: ١٤] وقوله: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} [الفرقان: ٧٢] وقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥] وقوله: {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: ٣٤] .

قال الواحديُّ: كان هذا قَبلَ نزولِ آية السيف.

قال القفّال: والذي عندي أنّ هذا ليس بمنسوخ، والظاهر أنها نزلت عقب قصة أحُدٍ، والمعنى: أنهم امِرُوا بالصَّبر على ما يؤذون به الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على طريقِ الأقوالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>