للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} قد تقدم معناه في كيفية النظم {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ} أي: بمنجاة من العذاب، من قولهم: فاز فلان - إذا نجا - أي: ليسوا بفائزين.

وقيل: لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك، تقول العرب: فوَّز الرجل - إذا مات -.

وقال الفرّاءُ: أي: ببعيد من العذاب؛ لأن الفوز معناه التباعُد من المكروه، ثم حقَّق ذلك بقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

قوله: {مِّنَ العذاب} فيه وجهانِ:

أحدهما: أنه متعلق بمحذوف، على أنه صفة لِ «مَفَازَةٍ» أي: بمفازة كائنةٍ من العذاب على جَعْلِنَا «مَفَازَةٍ» مكاناً، أي بموضع فَوْز.

قال أبو البقاء: «لأن المفازةَ مكان، والمكانُ لا يعملُ» .

يعني فلا يكون متعلقاً بها، بل محذوف، على أنه صفة لها، إلا أن جعله صفة مشكل؛ لأن المفازة لا تتصف بكونها {مِّنَ العذاب} اللهم إلا أن يُقَدَّر ذلك المحذوف الذي يتعلق به الجارُّ شيئاً خاصاً حتى يُصبح المعنى تقديره: بمفازة منجيةٍ من العذابِ، وفيه الإشكالُ المعروفُ، وهو أنه لا يُقَدَّر المحذوف - في مثله - إلا كَوْناً مطلقاً.

الثاني: أن يتعلق بنفس «مفازة» على أنها مصدر بمعنى الفَوْز، تقول: فزت منه أي: نَجَوْت، ولا يضر كونها مؤنثة بالتاء؛ لأنها مبنيةٌ عليها، وليست الدالة على التوحيد.

كقوله: [الطويل]

١٧١٣ - فَلَوْلَا رَجَاءُ النَّصْرِ مِنكَ وَرَهْبَةٌ ... عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا كَالمَوَارِدِ

فأعمل «رهبة» في «عقابك» وهو مفعول صريح، فهذا أولى.

قال أبو البقاء: «ويكون التقدير: فلا تحسبنهم فائزين، فالمصدر في موضع اسم الفاعلِ» .

فإن أراد تفسير المعنى فذاك، وإن أراد أنه بهذا التقدير - يصح التعلُّق، فلا حاجة إليه؛ إذ المصدر مستقل بذلك لفظاً ومعنىً.

<<  <  ج: ص:  >  >>