قوله:{وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} قد تقدم معناه في كيفية النظم {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ} أي: بمنجاة من العذاب، من قولهم: فاز فلان - إذا نجا - أي: ليسوا بفائزين.
وقيل: لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك، تقول العرب: فوَّز الرجل - إذا مات -.
وقال الفرّاءُ: أي: ببعيد من العذاب؛ لأن الفوز معناه التباعُد من المكروه، ثم حقَّق ذلك بقوله:{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
قوله:{مِّنَ العذاب} فيه وجهانِ:
أحدهما: أنه متعلق بمحذوف، على أنه صفة لِ «مَفَازَةٍ» أي: بمفازة كائنةٍ من العذاب على جَعْلِنَا «مَفَازَةٍ» مكاناً، أي بموضع فَوْز.
قال أبو البقاء:«لأن المفازةَ مكان، والمكانُ لا يعملُ» .
يعني فلا يكون متعلقاً بها، بل محذوف، على أنه صفة لها، إلا أن جعله صفة مشكل؛ لأن المفازة لا تتصف بكونها {مِّنَ العذاب} اللهم إلا أن يُقَدَّر ذلك المحذوف الذي يتعلق به الجارُّ شيئاً خاصاً حتى يُصبح المعنى تقديره: بمفازة منجيةٍ من العذابِ، وفيه الإشكالُ المعروفُ، وهو أنه لا يُقَدَّر المحذوف - في مثله - إلا كَوْناً مطلقاً.
الثاني: أن يتعلق بنفس «مفازة» على أنها مصدر بمعنى الفَوْز، تقول: فزت منه أي: نَجَوْت، ولا يضر كونها مؤنثة بالتاء؛ لأنها مبنيةٌ عليها، وليست الدالة على التوحيد.