الدلائل الثلاثة - خمسة أنواعٍ أخر حتى كان المجموع ثمانية أنواع من الدلائل، وهنا اكتفى بذكر ثلاثةٍ - وهي السموات والأرض والليل والنهار - فأمّا الأول فلأن العقلَ له ظاهرٌ، وله لُبٌّ، ففي أولِ الأمرِ يكون عقْلاً، وفي كمالِ الحالِ يكون لُبًّا، ففي حالةِ كمالِهِ لا يحتاجُ إلى كَثرة الدلائلِ، فلذلك ذكر له ثلاثةَ أنواعٍ من الدلائلِ، وأسقط الخمسةَ، واكتفى بذكر هذه الثلاثة؛ لأن الدلائل السماوية أقْهَر وأبْهَر، والعجائب فيها أكثر.
قوله: {الذين يَذْكُرُونَ الله} فيه خمسة أوجهٍ:
أحدهما: أنه نعت لِ {لأُوْلِي الألباب} فهو مجرور.
ثانيها: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين.
ثالثها: أنه منصوب بإضمار أعني. وهذان الوجهان يُسَمَّيان بالقطع كما تقدم.
رابعها: أنه مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره: يقولون: ربنا. قاله أبو البقاء.
خامسها: أنه بدل من {لأُوْلِي الألباب} ذكره مكِّيٌّ، والأول أحسنها.
و {قِيَاماً وَقُعُوداً} حالانِ من فاعلٍ {يَذْكُرُونَ} و {وعلى جُنُوبِهِمْ} حال - أيضاً - فيتعلق بمحذوف، والمعنى: يذكرونه قياماً وقعوداً ومضطجعين، فعطف الحال المؤوَّلة على الصريحة، عكس الآية الأخْرَى - وهي قوله تعالى:
{دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً} [يونس: ١٢]- حيث عطفَ الصريحةَ على المؤولة.
و {قِيَاماً وَقُعُوداً} جَمْعان لقائمٍ وقاعدٍ، وأجِيز أن يكونا مصدرَيْن، وحينئذ يتأوَّلان على معنى: ذوي قيام وقعود، ولا حاجة إلى هذا.
فصل
قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ عباس، والنَّخعيّ، وقتادة: هذا في الصلاة، يُصلي قائماً، فإن لم يستطعْ فعلى جَنْبٍ.
وقال سائر المفسّرين: أراد به المداومة على الذكر في جميع الأحوال، لأن الإنسانَ قلما يخلو من إحدى هذه الحالات.
قوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ} فيه وجهان:
أظهرهما: أنها عطف على الصلة، فلا محلَّ لها.
والثاني: أنها في محل نصبٍ على الحالِ، عطفاً على {قِيَاماً} أي: يذكرونه متفكِّرين.
فإن قيل: هذا مضارع مثبت، فكيف دخلت عليه الواو؟ .