للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

البحار والجبال والمعادن والنبات والحيوان - عرف أن تلك الورقة - بالنسبة إلى هذه الأشياء - كالعدم، فإذا اعترف بقصور عقله عن معرفة ذلك الشيء الحقير، عرف أنه لا سبيل لَهُ - ألبتة - إلى الاطلاع على عجائب حِكمته في خَلْقِ السَّمَواتِ والأرض فلم يَبْقَ - مع هذا - إلا الاعترافُ بأنَّ الخالقَ أجَلّ وأعظم من أن يُحِيط به وَصْفُ الواصفينَ ومعارفُ العارفين، بل يسلّم أن كل ما خلق ففيه حِكَمٌ بالغة - وإن كان لا سبيلَ له إلى معرفتها - فعند ذلك يقول: {سُبْحَانَكَ} والمرادُ منه الاشتغال بالتهليل والتسبيح والتحميد، ويشتغل بالدعاء، فيقول: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .

قوله: {رَبَّنَآ} هذه الجملة في محل نصب بقول محذوف، تقديره: يقولون، والجملة القولية فيها وجهان:

أظهرهما: أنها حال من فاعل «يَتَفَكَّرُونَ» أي: يتفكرون قائلين قائلين ربنا، وإذا أعربنا «يَتَفَكَّرُونَ» حالاً - كما تقدم - فيكون الحالان متداخلين.

والوجه الثاني: «هَذَا» إشارة إلى الخلق، إن أريد به المخلوق، وأجاز أبو البقاء - حال الإشارة إليه ب «هذا» - أن يكون مصدراً على حاله، لا بمعنى المخلوق، وفيه نظرٌ.

أو إلى السّموات والأرض - وإن كانا شيئين، كل منهما جمع - لأنهما بتأويلِ هذا المخلوق العجيب، أو لأنهما في معنى الجَمْعِ، فأشير إليهما كما يُشار إلى لفظِ الجمعِ.

قوله: «بَاطِلاً» في نصبه خمسةُ أوجهٍ:

أحدها: أنه نعت لمصدر محذوف، أي: خَلْقاً باطلاً، وقد تقدم أن سيبويه يجعل مثل هذا حالاً من ضمير ذلك المصدر.

الثاني: أنه حالٌ من المفعولِ به، وهو «هَذَا» .

الثالث: أنه على إسقاطِ حرفٍ خافضٍ - وهو الباء - والمعنى: ما خلقتهما بباطلٍ، بل بحَقٍّ وقُدْرَةٍ.

الرابع: أنه مفعول من أجله، و «فاعل» قد يجيء مصدراً، كالعاقبة، والعافية.

الخامس: أنه مفعولٌ ثانٍ ل «خلق» قالوا: و «خلق» إذا كانت بمعنى «جَعَلَ» التي تتعدى لاثنين، تعدّت لاثنين. وهذا غيرُ معروفٍ عند أهلِ العربيةِ، بل المعروف أن «جعل» إذا كانت بمعنى «خلق» تعدت لواحدٍ فقط.

وأحسن هذه الأعاريب أن تكون حالاً مِنْ «هَذَا» وهي حالٌ لا يُسْتَغنَى عَنْهَا؛ لأنها لو حُذِفَتْ لاختلَّ الكلامُ، وهي كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الدخان: ٣٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>