للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {رَبَّنَا فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} اعلم أنهم قد طلبوا من الله في هذا الدعاءِ ثلاثةَ أشياءٍ:

أحدهَا: غفران الذنوب، والغفران: هو الستر والتغطية.

ثانيها: التكفير، وهو التغطية - أيضاً - يقال: رجل مُكَفَّرٌ بالسِّلاح - أي: مُغَطَّى - ومنه الكُفْر - أيضاً -

قال الشاعرُ: [الكامل]

١٧١٥ - ... ... ... ... ... ... ..... فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ ظَلَامُهَا

فالمغفرة والتكفير - بحسب اللغة - معناهما شيء واحد، وأما المفسرون فقال بعضهم: المرادُ بهما شيءٌ واحدٌ، وإنما أعيد ذلك للتأكيد؛ لأن الإلحاحَ والمبالغة في الدعاء أمرٌ مطلوبٌ.

وقيل: المرادُ بالأول ما تقدم من الذنوب، وبالثاني المستأنفُ.

وقيل: المرادُ بالغُفْران ما يزول بالتوبة، وبالتكفير ما تكفِّره الطاعةُ العظيمةُ.

وقيل: المرادُ بالأولِ: ما أتى به الإنسانُ مع العلمِ بكونهِ معصية، وبالثاني ما أتى به مع الجَهْل.

ثالثها: قوله: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} أي: توفَّنا معدودين في صُحْبَتِهم، فيكون الظرفُ متعلِّقاً بما قَبْلهُ، وقيل: تُجَوَّزَ به عن الزمان ويجوز أن يكون حالاً من المفعول، فيتعلق بمحذوف.

وأجازَ مَكِّيٍّ، وأبو البقاءِ: أن يكون صفة لموصوف محذوف، أي: أبراراً مع الأبرارِ، كقوله: [الوافر]

١٧١٦ - كأنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أقَيْشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنّ

أي: كأنك جمل من جمال.

قال أبو البقاء: « [تقديره] أبراراً مع الأبرار، وأبراراً - على هذا - حالٌ» . والأبرار يجوز أن يكونَ جمع بارّ - كصاحب وأصحاب، ويجوز أن يكون جمع بَرٍّ، بزنة: كَتِف وأكتاف، ورَبّ وأرْبَاب.

قال القفّالُ: في تفسير هذه المعية وجهانِ:

أحدهما: أن وفاتهم معهم: هي أن يموتوا على مثل أعمالهم، حتى يكونوا في درجاتهم يومَ القيامةِ، كما تقول: أنّا مع الشافعي في هذه المسألة، أي: مساوٍ له في ذلك الاعتقادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>