الثاني: أنَّ وعدَ اللهِ لا يتناول آحاد الأمة بأعيانهم، بل بحسب أوصافهم، فإنه - تعالى - وعد المتقين بالثوابِ، ووعد الفُسَّاقَ بالعقاب، فقوله:{وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا} معناه: وفَّقْنا للأعمال التي نصير بها أهلاً لوعدك، واعصمْنا من الأعمال التي نصير بها أهلاً للعقابِ والخِزْي.
الثالث: أن اللهَ - تَعَالَى - وعد المؤمنينَ بأن ينصُرَهُمْ في الدُّنُيَا على أعدائِهِم، فهُم طلبوا تعجيل ذلك.
فصل
دلَّت الآية على أنَّهُم إنَّمَا طلبوا منافعَ الآخرةِ بحُكْم الوعدِ لا بحُكْم الاستحقاق؛ لقولهم:{وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} ثم قالوا: {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الميعاد} وهذا يدلُّ على أنَّ المقتضي لحصول منافع الآخرةِ هُوَ الوَعْدُ لا الاستحقاقُ.
فإن قيلَ: متى حصل الثوابُ لزم اندفاعُ العقابِ لا محالةَ، فلما طلبوا الثَّوابَ بقولهم:{وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا} كيف طلبوا ترك العقاب بقولهم: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} بل لو طلب ترك العقاب - أولاً - ثم طلب الثَّوابَ بعده لاستقام الكلامُ؟
فالجوابُ من وجهينِ:
الأول: أن الثَّوابَ شرطه أن يكون منفعة مرونة بالتعظيم والسرور، فقوله:{وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا} المراد منه المنافعُ وقوله: {وَلَا تُخْزِنَا} المرادُ منه التعظيمُ.
الثاني: ما تقدم من أنَّ المقصودَ طلب التوفيق إلى الطاعة، والعصمة عن المعصية، كأنه قيل: وفقنا للطاعات، وإذا وفقتنا فاعصمنا عما يبطلها، ويوقعنا في الخزي. وعلى هذا يحسن النظم. و «الميعاد» مصدر بمعنى الوَعْد.
قوله:{يَوْمَ القيامة} فيه وجهان:
الأول: أنه منصوب ب {وَلَا تُخْزِنَ} .
والثَّاني: أنه أجاز أبو حيَّان أن يكونَ من باب الإعمالِ؛ إذ يصلح أن يكون منصوباً ب {وَلَا تُخْزِنَ} وب {وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا} إذا كان الموعود به الجنة.