الآية الكريمةُ، وحكمُ التثنية في ذلك كالجمع، وَحَسَّنَ الإفرادَ ها هنا أيضاً ما تقدَّم مِن مُحَسِّنِ تذكير الضمير وإفراده في «منه» ، وهو أنَّ المعنى: فإن طابت كُلُّ واحدة نفساً.
وقال بعض البصريين:«إنَّما أفرد؛ لأن المراد بالنفس هنا الهوى، والهوى مصدر، والمصادر لا تُثَنَّى ولا تجمع» .
وقال الزَّمخشريُّ: و «نَفْسَاً» تمييزٌ، وتوحيدثها؛ لأن الغرضَ بيانُ الجنس والواحد يدل عليه. ونحا أبو البَقاءِ نَحْوَهُ، وشَبَّهَهُ ب «درهماً» في قولك: عشرون درهماً.
واختلف النحاةُ في جوازِ تقديمِ التمييزِ على عامله إذا كان متصرفاً فمنعه سيبويه، وأجازه المبرد وجماعة مستدلين بقوله:[الطويل]
والأصل تطيبُ نفساً، وتحلَّبا ماء، وفي البيتين كلامٌ طويل ليس هذا محلَّه، وحجةُ سيبويه في منع ذلك انَّ التَّمييز فاعل في الأصْلِ، والفاعِلُ لا يَتضقَدَّم، فكذلك ما في قوته، واعترضَ على هذا بنحو: زيداً، من قولك أخرجْتُ زيداً، فإن زيداً في الأصل فاعل قبل النَّقْل، إذ الأصل: خرج زيدٌ والفرق لائح فالتمييز أقسام كثيرة مذكورة في كتب القوم. والجارّان في قوله {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ} متعلقان بالفعل قبلهما متضمناً معنى الاعراض، ولذلك عُدِّي ب «عن» كأنَّهُ قيل: فَإن أعْرَضْنَ لَكُمْ عِن شيء منه طيبات النفوس، والفاء في «فَكُلوه» جواب الشرط وهي واجبة، والفاء في «فُكلوه» عائدة على «شيء» .
فإن قيل: لِمَ قال: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ} ولم يقل: وَهَبْنَ لَكُمْ أوْ سَمضحْنَ لَكُمْ؟
فالجواب أنَّ المراعى وهو تجافي نفسها عن بالموهوب طيبة] .