القول الثاني: أنَّه خطاب للآباء بألَاّ يدفعوا مالهم إلى أولادهم إذا كانوا لا يحفظون المال سفهاءُ، وعلى هذا فإضَافَةُ الأموال إليهم حقيقة، والقول الأوَّلُ أرجحُ؛ لأنَّ ظاهر النَّهي التحريم، وأجمعوا على انَّهُ لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصّغار، ومن النِّسوان ما شاء من ماله، وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع إلى السُّفهاء أموالهم؛ لأنه قال في آخر الآية:{وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} وهذه الوصيّة بالأيتام أشبه، لأنَّ المرء مشفق بطبعه على ولده، فلا يقولُ له إلا المعروفَ، وإنَّما يحتاج إلى هذه الوصيَّة مع الأيتام الأجانب.
قال ابنُ الخطيب:«ولا يمتنع [أيضاً] حمل الآية على كلا الوجهين» .
قال القاضي: هذا بعيد؛ لأنه يقتضي حمل قوله:«أمْوالُكم» على الحقيقة والمجاز جميعاً، ويمكن الجوابُ عنه بأن قوله:{أَمْوَالَكُمُ} يفيدُ كون تلك الأموال مختصة بهم، اختصاصاً يمكنه التّصرف فيها، ثم إنَّ هذا الاختصاص حاصل في المال المملوك له وفي المال المملوك للصَّبي، إلَاّ أنَّه تحت تصرُّفه، فهذا التَّفاوت واقع في مفهوم خارج من المفهوم المستفاد من قوله {أَمْوَالَكُمُ} وإذا كَانَ كذلك لم يبعد حمل اللَّفظ عليهما من حيث إن اللفظ [أفاد] معنى واحداً مشتركاً بينهما.
قوله:{وارزقوهم فِيهَا واكسوهم} .
ومعنى الرزق: أن أنفقوا عليهم. وقوله «فيها» فيه وجهان:
أحدهما: أنَّ «في» على بابها من الظرفية، أي اجعلوا رزقهم فيها.
والثاني: أنها بمعنى «مِنْ» ، أي: بعضها والمراد: [من] أرباحها بالتجارة.
قال ابن الخطيب:«وإنَّمَا قال» فيها «ولم يقل: مِنْهَا، لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رِزْقاً [لهم] ، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكاناً لرزقهم، بأنْ يَتَجِرُوا فيها، فيجعلوا أرزاقهم من الأرْبَاحِ لا من أصول الأموال» . والأمر بالكِسْوَةِ ظاهر.