للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب أن لفظ «النكاح» حقيقة في الوطء مجاز في العقد. لأنَّ لفظ النكاح في أصْلِ اللغة عبارة عن الضَّمِّ، ومعنى حاصل في الوطء لا في العقد، فكان حقيقة في الوطء وإنَّمَا سُمِّيَ العقد بهذا الاسم؛ لأنه سبب الوطء، فيكون من باب إطلاق اسم المسبب على السبب كما أنَّ العقيقة: اسم للشِّعْرِ الذي يكون على رأس الصغير حال ما يولد ثم تُسَمَّى الشاة التي تذبح عند خلق ذلك الشِّعْر عقيقة [فكذا ها هنا. هذا على قول من يقول: لا يجوز استعمال اللفظ الواحد بالاعتبار الواحد في حقيقته] ومجازه فلا جرم نقول: المستفاد من هذه الآية حكم الوطء أمَّا حكم العقد فَإنَّهُ يستفاد من دليل آخر، فأمَّا [من] ذهب إلى اللفظ المشترك يجوز استعماله في مفهوميْه معاً، فإنه يقول دلت الآية على لفظ النكاح حقيقة الوطء، وفي العقد معاً، فكان قوله: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء} نهي عن الوطء وعن العقد معاً حملاً للفظ على مفهوميه ولو سلمنا أنَّه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميْه معاًً، لكن ثبت بالدلائل المذكورة أنَّ لفظ النكاح قد استُعمِلَ في الوطء تارةً، وفي العقد أخرى، والقول بالاشتراكِ والمجاز خلاف الأصل، فلا بدّ من جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما، وهو معنى الضمّ حتَّى يندفع الاشتراك والمجاز، فإذا كان كذلك كان قوله: «ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء» نهياً عن كل واحد من القسمين لا محالة، فإنّ النهي عن التزويج يكون نهياً عن العقد، وعن الوطء معاً، وأجيبوا عن هذا الاحتجاج بوجوه:

الأوَّل: لا نسلم أنَّ النكاح يقع على الوطء، والوجوه الَّتي احتجوا بها معارضة بوجوه:

الأول: قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ «النِّكَاحُ سُنَّتِي» ولا شك أنَّ الْوَطْءَ من حيث كونه وَطْئاً ليس سنة [له] وإلا لزم أنْ يكون الوطء بالسفاح سُنَّةًَ فلما ثبت أنَّ النِّكاح سنة، وثبت أن الوطء ليس بسنة ثبت أنَّ النكاحَ ليس عبارة عن الوطء وكذلك قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا» ولو كان الوطء مسمى بالنكاح لكان هذا إذناً في مطلق الوطء، وكذا التمسك بقوله {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} [النساء: ٣] .

لا يقال: لما وقع التعارض بين هذه الدّلائل فالترجيح معنا، وذلك لأنَّا لو قلنا الوطء مسمى بالنكاح على سبيل الحقيقة لزم دخول المجاز في دليلنا، ومتى وقع التعارض بين المجاز والتخصيص كان التزام التخصيص أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>