النحويون بعد لام إلَاّ وتلك اللامُ للتعليل، أو للجُحُودِ.
وقال بعضهم: اللامُ» لام «العاقبة كهي في قوله تعالى {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً [وَحَزَناً} ] [القصص: ٨] ولم يذكر مفعل التبيين، بل حذفه للعلم به فقدَّره بعضهم: ليبيِّن لكم ما يقرّ ربَكم، ومنه قول بعضهم إنَّ الصبر عن نكاح الإماء خير.
فالأوَّلُ قاله عطاء.
والثَّاني قاله الكلبيُّ. وبعضهم: ما فصَّلَ من الشَّرائع، وبعضهم أمر دينكم، وهي متقاربة، ويجوز في الآية وجه آخر [حَسَنٌ] ؛ وهو أن تكون المسألَةُ من باب الإعمال تنازع: «يبيِّن» و «يَهدي» في «سنن الذين من قبلكم» ، لأنَّ كلَاّ منهما يطلبه من جهة المعنى، وتكونُ المسألة من إعمال الثَّاني، وحذف الضَّمير من الأوَّلِ تقديره: ليبينها لكم ويهديكم سُننَ الَّذين من قبلكم.
والسُّنَّةُ: الطَّريقَةُ؛ لأنَّ المفسّرين نقلوا أن كلَّ ما بَيَّن لنا تحريمه وتحليله من النساء في الآيات المتقدمة فقد كان الحكم كذلك أيضاً في الأمم السَّالفةِ، أو أنه بين لَكُمْ المصالح؛ لأنَّ الشَّرَائِعَ، وإن كانت مختلفة في نفسها إلا أنَّها متَّفِقَةٌ في المصلحة.
فصل
قال بعضُ المفسَّرينَ {لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ} معناهما واحد وقال آخرون هذا ضعيفٌ.
والحقُّ أنَّ قوله:{لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} أي: يميِّزَ الحلالَ من الحرامِ، والحسن من القبيح.
وقوله تعالى:{وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ} أي: أن الذي بيَّن تحريمه، وتحليله لنا في الآيات المتقدّمة وقد كان كذلك في شرائع [الإسلام] من قبلنا، أو يكون المراد منه {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ}[في] بيان ما لكم فيه من المصلحة [فإنَّ الشَّرائعَ، وإن اختلفت في نفسها إلَاّ أنَّهَا متفقة في المصالح] .
قوله:{وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} قال القاضي: معناه أنَّهُ تعالى كما أراد منّا نفس الطّاعة، فلا جَر\ضمَ بيَّنَها وأزال الشُّبْهَةَ عنها وإذا وقع التَّقصيرُ والتَّفريط منَّا؛ فيريد أن يتوبَ علينا؛ لأنَّ المكلف قد يطيع فيستحق الثَّوابَ، وقد يطيع فيستحقّ الثَّوابَ، وقد يعصي فيحْتَاج إلى التلافي في التَّوبَةِ وفي التَّوْبَةِ وفي