للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: لمّا جَعَلَ اللَّهُ للذَّكر مِثْلُ حَظِّ الانثيين في الميراثِ، قالتِ النِّسَاءُ: نَحْنُ أحْوجُ إلى الزِّيَادةِ مِنَ الرِّجَالِ؛ لأنا ضعفاء، وهم أقْويَاء، وأقدر منا على المَعَاشِ فنزلت الآية.

وقال قتَادَةُ والسُّدِّيُّ: لما نزل قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} [النساء: ١١] ؛ قال الرِّجالُ: إنَّ لنرجو أن نُفَضَّل على النِّسَاءِ بحسناتنا في الآخرة، فيكون أجرنا على الضّعف من أجر النِّسَاءِ كما فُضِّلْنَا عليهنَّ في الميراثِ في الدُّنْيَا، فقال اللَّهُ تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبوا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبن} [النساء: ٣٢] .

وقيل: أتَتِ امْرَأةٌ إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالت: رَبُّ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ واحِدٌ، وأنتَ الرَّسُول إليْنَا، وإليهم، وأبونا آدَمُ، وأمُّنا حَوَّاءُ، فما السَّبَبُ في أنَّ اللَّه يَذكُرُ الرِّجَالَ، ولا يَذْكُرُنَا؛ فنزلت الآية، فقالَتْ: وقد سَبَقَنَا الرِّجَالُ بالجهادِ فمَا لَنَا؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ لِلْحَامِلِ مِنْكُنَّ أجْرُ الصَّائِمِ القَائِم، فإذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ لم يدْر أحدٌ مَا لَهَا مِنَ الأجْرِ، فَإذَا أرْضَعَتْ كَانَ لَهَا بِكُلِّ مَصَّة أَجر إحيَاء نَفْسٍ» .

قوله: {مَا فَضَّلَ الله} «ما» موصولة، أو نكرة موصوفة، والعائدُ الهاء في «بِهِ» ، و «بعضكُم» مفعول ب «فَضَّلَ» ، و «عَلَى بَعْضٍ» متعلّق به.

فصل

قال القرطبِيُّ: التَّمني نوع من الإرادَةِ يَتَعلَّقُ بالمستقبلِ، واعْلَم أنَّ الإنسان إذَا شَاهَدَ أنواع الفَضَائِلِ حاصلة لإنسان، ووجد نَفْسَهُ خالياً عن جملتها، أو عن أكثرها، فحينئذٍ يتألَّمُ قلبه، ثُمَّ يعرض ها هنا حالتان:

إحداهما: [أن يتمنى] زوال تِلْكَ السعادات عن ذلك الإنْسَانِ.

والأخرى: لا يَتمَنَّى ذلك، بَلْ يَتَمنَّى حصول مثلها له.

فالأوَّلُ هو الحَسَدُ المذْمُومُ، والثَّانِي هو الغِبْطَةُ، فأمّا كون الحسد مذموماً؛ فلأن اللَّه تعالى لمّا دَبَّر هذا العَالَم، وأفاض أنواع الكَرَمِ عليهم، فمن تمنى زوال ذلك؛ فكأنه اعْتَرَضَ على اللَّه في فعله، وفي حِكْمَتِهِ، وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ في نفسه، أنَّهُ أحَقُّ بتلك النِّعَمِ من ذلِكَ الإنْسَانِ، وهذا اعْتِرَاضٌ على اللَّهِ، فيما يلقيه من الكُفْرِ، وفساد الدِّين، وقطعَ المَوَدَّةِ، والمَحَبَّةِ، وَيَنْقَلِبُ ذلك إلى أضداده.

<<  <  ج: ص:  >  >>