قال أبُو البَقَاءِ:[أي:]«وجعلنا الذين عاقدتْ وُرّاثاً؛ وكان ذلك ونسخ» ، وردّ عليه أبُو حَيَّان بِفَسَادِ العطْفِ، قال: فإن جُعِل من عطْفِ الجُمَل، وحُذِفَ المفعولُ الثَّاني لدلالة المعنى عليه أمكن ذلك أيْ: جعلنا وُرَّاثاً لكلِّ شَيْءٍ من المال، أو لِكُلِّ إنسان، وجَعلنَا الذِينَ عاقَدَتْ أيمانكم وراثاً وفيه بعد ذلِكَ تَكَلُّفٌ.
انتهى.
وقرأ عاصمٌ وحمْزَةُ والكسَائِيُّ:«عقدت» والباقون: «عاقدت» بألف وروي عن حمزة التَّشديد في «عقدت» ، والمفاعلة هنا ظَاهِرَةٌ؛ لأنَّ المَرَادَ المخالفة.
والمفعولُ محذوفٌ على كُلٍّ من القِرَاءاتِ، أي: عاقدْتَهم أو عَقَدْتَ حِلْفهم، ونسبة المُعاقَدَةِ، أو العَقْدِ إلى الأيمان مجاز، سوَاءٌ أُريد بالأيْمَانِ الجَارِحَة، أم القَسمُ.
المُعَاقَدَةُ المُحالَفَةُ، والأيْمَانُ جمع يَمينٍ من اليد والقسَمِ، وذلك أنَّهُم كانُوا عند المُحالَفَةُ يأخذُ بعضهُمُ يدَ بَعْضٍ، على الوفَاءِ [والتمسك] بالعهد.
فصل الخلاف في نسخ الآية
قال بعضهم: إنَّ هذه الآية مَنْسُوخَةٌ، واسْتدلُّوا على ذلك بوجوه:
أحدها: أنَّ الرَّجُلَ كان في الجاهلِيَّةِ يُعَاقِدُ غيْرَهُ، فيقُولُ:«دَميَ دمُكَ وسِلْمِي سِلْمُك، وَحَرْبِي حَرْبُكَ، وترثُنِي وَأرِثُك، وَتَعْقِلُ عَنِّي، وأعْقِلُ عنك» ، فيَكُونُ لهذا الحليف السّدس [من] الميراثِ، فذلك قوله:«فآتوهم نصيبهم» ، فنُسِخ ذلك بقوله:{وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله}[الأنفال: ٧٥] ، وبقوله:{يُوصِيكُمُ الله في أَوْلَادِكُمْ}[النساء: ١١] .
وثانيها: أنَّ الرَّجُلَ كانَ يتَّخِذُ أجنبياً فيجعله ابْناً له، وَهُمُ المُسَمُّوْنَ بالأدْعِيَاء في قوله تعالى:{أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ} ، وكانوا يتوارثون بذلك، ثم نُسِخَ.