بَعْده، والمعنى: أنه - تعالى - لما بيَّن شِدَّة عداوتِهم للمسْلِمين، بين أنه - تعالى - وليُّ المؤمِنين ونَاصِرُّهُم.
فإن قيل: ولاية الله لعبده عِبَارةَ عن نُصْرَته، فَذَكْر النَّصِير بعد ذِكر الوَلِي تكْرَارٌ.
فالجواب: أن الوَلِيَّ هو المُتَصرِّف في الشَّيْء، والمتصرِّف في الشَّيء يجب أن يكُونَ نَاصِراً.
فإن قيل: ما الفَائِدة من تكْرار قوله:» وكفى بالله «.
فالجواب: أن التِّكْرَا في مِثْل هذا المقَام يكون أشَد تَأثِيراً في القَلِب، وأكْثَر مُبَالَغَة.
فإن قيل: ما فائدة تكرار الباء في قوله:» بالله «فذكروا وجوهاً:
أحدها: لَوْ قيل: كفى الله، يتصل الفِعْل بالفَاعِل ثم ههُنا زيدَت البَاء إيذَاناً بأن الكفاية منالله لَيْسَت كالكِفَايَة من غَيْره.
وثانيها: قال ابن السَّرَّاج: تقديره: كفى اكْتِفَاؤُه بالله وَليًّا، ولما ذكرت» كفى «دلَّ على الاكتفاءِ؛ كما تقول: من كذب كان شَرّاً له، أي: كان الكَذِبُ شرًّا له، فأضمرته لدلالة الفِعْل عليه.
وثالثها: قال ابنُ الخَطيب: البَاءُ في الأصْل للإلْصَاقِ، وإنما يَحْسُن في المؤثِّر لذي لا وَاسِطَة بَيْنَهُ وبين التَّأثِير، فلو قيل: كَفَى اللهُ، دلَّ ذلك على كَوْنَهَ فاعلاً لهذه الكِفَايَةِ، ولكن لا يَدُلُّ [ذَلِك على أنَّهُ فعل] بِواسِطَة أو غير وَاسِطَة، فإذا ذَكَرْت البَاء، دلَّ على أنه - تعالى - يَفْعَل بغير واسِطَة، بل هو - تعالى - يتكفَّل به ابتداء من غير واسطَة؛ كقوله:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد}[ق: ١٦] .