فإن قيلَ: قد أوعدهم بالطمْسِ إنْ لم يُؤمِنُوا، ولَمْ يَفْعَلْ ذلك بِهم؟
فالجوابُ: أنَّ الوَعِيدَ باقٍ، ويكونُ طَمْسٌ، ومَسخٌ في اليهود، قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وقيل: إنَّه جَعَل الوِعيدَ: إمَّا الطمسَ، وإمَّا اللَّعْنَ، وقد فَعَلَ أحَدَهُمَا، وهو اللَّعْنُ.
وقيل: كان هذا وَعيداً بشرطٍ فلما أسْلَمَ عبد الله بن سلام، وأصحابُه، رفع ذلك عن الباقينَ، وقيل: أرَادَ بِهِ في القيامةِ.
وقال مُجَاهِدٌ: أراد بقوله {نَّطْمِسَ وُجُوهاً} ، أيْ: يترُكهُم في الضَّلَالَة، فيكون المرادُ طَمْسَ وَجْهِ القَلْبِ، والردَّ عن الهُدَى.
وقال ابنُ زَيْدٍ: نَمْحُو آثَارَهُمْ مِنْ وجُوهِهِم، ونَوَاصيهم التي هم بها وقد لحقَ اليهودَ، ومضى، وتأويل ذلك في إجْلاءِ قُُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ إلى الشَّام، فردَّ اللهُ وُجُوهَهُم على أدْبَارِهم، حين عادوا إلى أذْرِعَاتٍ، وأريحاء من الشامِ.
قوله:{على أَدْبَارِهَآ} فيه وَجْهَانِ:
أظهرهُمَا: أنَّهُ متعلقٌ ب {فَنَرُدَّهَا} .
والثَّاني: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من المفعولِ في «نلعنهم» يَعُودُ على الوُجُوهِ، على حَذْفِ مُضَاف إلَيْهِ: أيْ: وُجُوم قَوْم، أوْ عَلَى أن يُرادَ بِهمُ: الوُجَهَاءَ والرؤساءَ، أو يعودَ على الَّذين أوتُوا الكِتَابَ، ويطونُ ذلك التِفاتاً مِنْ خَطَابٍ إلى غَيْبَةٍ، وفيه اسْتِدْعاؤهُم للإيمانِ؛ حيثُ لم يُوَاجِهْهُمْ باللَّعْنَةِ بَعْدَ أن شَرَّفَهُم بكوْنِهم مِنْ أهْل الكتابِ.
فصل في المراد باللعن
قال مُقَاتِلٌ، وغَيْرهُ: المرادُ باللَّعْنِ: مَسْخُهُمْ قِرَدَةً، وخَنَازِير، فإنْ قيل: قد كان اللَّعْنُ حَاصِلاً قبل هذا الوعيد. فالجوابُ: إنَّ اللَّعْنَةَ بعد الوعيد، أزْيَدُ تأثيراً في الخِزْيِ، وقيل: المرادُ بهذا اللَّعْن، الطَّرْدُ، والإبْعَادُ [و] قولهُ {وَكَانَ أَمْرُ الله} : أمرٌ واحدٌ أُريدَ به الأمُورُ، وقيل: هو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به، أيْ: مَأمُوره، أي: ما أوْجَدَه كائِنٌ لا مَحَالَة.