والعبث غير جائز على الحكيم. وأيضاً إنَّ العبد غير موجد لأفعاله؛ لأنه غير عالم بتفاصيلها، ومن لا يعلم تفاصيل الشيء لا يكون موجداً له، وإذا لم يكن العبد موجداً لأفعال نفسه، فإن أمره بذلك الفعل حالة ما خلقه فيه فقد أمره بتحصيل الحاصل، وإن أمره حالة ما لم يخلقه فيه فقد أمره بالمحال، وكل ذلك باطل.
وأجاب ابن الخطيب بوجهين:
أحدهما: أن أَصْحَابَ هذه الشّبه، أوجبوا بما ذكروه اعتقاد عدم التَّكليف، فهذا التكليف ينفي التكليف، وإنه متناقض.
والثاني: أن عندنا يحسن من الله كل شيء، سواء كان ذلك تكليف ما لا يطاق أو غيره؛ لأنه - تعالى - خالقٌ مالكٌ، والمالك لا اعتراض عليه في فِعْلِهِ.
والخَلْق اختراع الشَّيء على غير مِثَالٍ سبق، وهذه الصِّفة ينفرد بها الباري تعالى، ويُطْلَقُ أيضاً على التقْدِيرِ «؛ قال زُهَيْر:[الكامل]
وقال الحَجَّاج: «ما خَلَقْتُ إلَاّ فَرَيْتُ وَلَا وَعَدْتُ إلَاّ وَفَيْتُ» وهذه الصّفة لا يختص بها الله تعالى، وقد غلط أبو عبد الله البصري في أنه لا يطلق اسم «الخَالِقِ» على الله - تعالى؛ قال:«لأنه مُحَالٌ، وذلك أن التقدير والتسوية في حقِّ اللهِ ممتنعانِ، لأنهما عبارة عن التفكُّر والزَّن» ، وكأنه لم يسمع قوله تعالى:{هُوَ الله الخالق البارىء}[الحشر: ٢٤]{الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر: ٦٢] ، وكأنَّه لا يعلَم أن الخَلْق يكون عبارة عن الإنشاء والاختراع.
قوله:{والذين مِن قَبْلِكُمْ} محلّه العطف على المنصوب في «خلقكم» و «من قبلكم» صلة «الذين» ، فيتعلّق بمحذوف على ما تقرر. و «من» لابتداء الغاية، واستشكل بعضهم وقوع «من قبلكم» صلة من حيث إن كل ما جاز أن يخبر به جاز أن يقع صلة، و «من قبلكم» ناقص ليس في الإخبار به عن الأعيان فائدة إلا بتأويل، فكذلك الصّلة.
قال: وتأويله أن ظرف الزمان إذا وصف صح الإخبار والوصل به تقول: «نحن في يوم طيب» ، فيكون التقدير هنا - والله أعلم - «والَّذِينَ مِنْ قَبْلَكُمْ» - بفتح الميم -.