الثاني: أنه - تعالى - إنما خلق المكلفين لكي يتقوا ويطيعوا، على ما قال:{وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] فكأنه - تعالى - أمر بعبادة الرَّبِّ الذي خلقهم لهذا الغرض، وهذا التأويل لائق بأصول المعتزلة.
فَصْلٌ في القراءات في الآية
قرأ أبو عمرو: خَلَقَكُمْ بالإدغام، وقرأ ابن السَّميفع:«وَخَلَقَ مَنْ قَبْلَكُم» .
قوله:{الذي جَعَلَ لَكُمُ} يحتمل النصب والرَّفع، فالنصب من خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون نصبه على القطع.
الثاني: أنه نعت لربكم.
الثالث: أنه بدل منه.
الرابع: أنه مفعول ل «تتقون» ، وبه قال أبو البقاء.
الخامس: أنه نعت النعت، أي: الموصول الأول، لكن المختار أن النعت لا ينعت، بل إن جاء ما يوهم ذلك جعل نعتاً للأول، إلا أن يمنع مانع فيكون نعتاً للنعت، نحو قولهم:«يا أيها الفارس ذو الجمة» فذو الجمة نعت للفارس لا ل «أي» ؛ لأنها لا تنعت إلا بما تقدم ذكره.
والرَّفع من وجهين:
أحدهما وهو الأصح: أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو الذي جعل.
والثاني: أنه مبتدأ، وخبره قوله بعد ذلك: فلا تجعلوا لله، وهذا فيه نظر من وجهين:
أحدها: أنّ صلته ماضية فلم يشبه الشرط، فلا يزاد في خبره «الفاء» .
الثاني: عدم الرابط، إلا أن يقال بمذهب الأخفش، وهو أن يجعل الربط مكرر الاسم الظَّاهر إذا كان بمعناه نحو:«زيد قام أبو عبد الله» إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد، وكذلك هنا أقام الجلالة مقام الضَّمير، كأنه قال: الذَّي جعل لكم، فلا تجعلوا له أنداداً.
و «الذي» كلمة موضوعة للإشارة إلى المفرد عند محاولة تعريفه بقضية معلومة كقولك: ذهب الرجل الذي أبوه منطلق، فأبوه منطلق قضية معلومة، فإذا حاولت تعريف الرجل بهذه القضية المعلومة أدخلت عليه الَّذي، وهو يحقّق قولهم: إنه مستعمل لوصف المعارف بالجمل.